الحلقة الرابعة والثلاثون - النظام الإقتصادي في الإسلام

-->
الجزء الأول

-->
صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) مطلب المسلمين الأعظم
عندما نتحدث عن النظام الاقتصادي في الإسلام، فإننا نتحدث عن القواعد الأساسية والأحكام في الإسلام التي يُبنى عليها كيفية التعامل مع الثروات والأموال في الدولة من ناحية الحصول عليها وكيفية حيازتها وأوجه صرفها، ولا نتحدث عن الاقتصاد بصفته أحد علوم الدنيا.

فليس النظام الاقتصادي في الإسلام هو الكيفية التي يتعامل بها بعضهم اليوم ويدعونها، والتي يفرضها عليهم الواقع الرأسمالي والنظام البنكي في الدول والشركات الرأسمالية العالمية. فهو لا يعالج  كيفية التعامل مع الواقع بإقرار وجوده وصناعة بنوك في مقابلها تسمى إسلامية وما شابه ذلك. وكذلك فإننا عندما نتحدث عن النظام الاقتصادي الإسلامي، فإننا لا نتحدث عن صدقات تُوزع هنا للمتسولين والمحتاجين وأموال تُنفق هناك، وتبرعات أوقات الأزمات، ولا نتحدث هنا عن مؤسسات خيرية منطلقة من مشاعر إسلامية تقوم بتجميع وتوزيع تبرعات للمحسنين، وليس نظام الإسلام الاقتصادي هو نظام الزكاة، بل الزكاة هي حكم من أحكام النظام الاقتصادي الإسلامي.

إن النظام الاقتصادي الإسلامي هو فكر ونظام متكامل، وليس أنظمة ترقيعية للمشاكل التي تنتجها الأنظمة الرأسمالية المطبقة على المسلمين اليوم، فهو إما أن يتم أخذه كاملاً، أو أن يُدع بأكمله. فلا يمكن أخذ جزء منه، ونبذ أو تعطيل الجزء الآخر، وإلا فلن يكون إسلامياً.

النظام الاقتصادي في الإسلام ليس نظاماً يمكن تطبيقه من دول أساسها باطل شرعاً، ونظام الحكم فيها غير إسلامي، بل يتطلب لتطبيقه وجود أو قيام دولة الخلافة الإسلامية، لأنه أحد أركانها، وكون الاقتصاد عصب الحياة عادة، فإن النظام الاقتصادي تدور حوله كل أنظمة الدولة الأخرى، السياسية والاجتماعية وغيرها، ويدور هو حولها في كيان الدولة التي تطبقه، ولذا فإنه من المستحيل الترقيع في كيان الدولة الإسلامية بإستخدام أحكام أخرى وتطبيقها وذلك من جهتين:

الجهة الأولى: من الناحية العقدية، والجهة الأخرى من الناحية العملية
فمن الناحية العقدية، فإنه يستحيل على الخليفة والدولة والشعب إلا أن يرتضوا أحكام الإسلام، لأنهم يؤمنون بها وبقطعية وجوب تطبيقها، فهي مقيدة عندهم بالعقيدة، ومن الجهة الأخرى العملية فإنه لتطبيق نظام الإسلام الاقتصادي، فإنه يجب هيكلة كل الأنظمة التي حوله لكي تتناسب معه وتتناسب مع إمكانية تطبيقه، وكذا الحال مع أي نظام اقتصادي آخر من الأنظمة الاقتصادية المعلومة، الاشتراكية والرأسمالية، فإنه لا يمكن تركيب شيء على شيء، فلا يتأتى لأي دولة عالمية تَبَنّي نظام الإسلام الاقتصادي وهي تدين بالرأسمالية، كما يدّعون حالياً أنه بالإمكان الاستفادة من أفكار الإسلام الاقتصادية لحل المشكلة الاقتصادية العالمية في أمريكا والعالم.

إذن فما هو النظام الاقتصادي الإسلامي، وعلى أي قواعد يقوم:

تدور كل الأحكام والمعالجات الاقتصادية في الإسلام حول مسألة تمكين الناس من الانتفاع بالثروات، وتوزيع الأموال والمنافع على جميع أفراد الرعية، وتعتبر هذه هي وجهة نظر الإسلام في علم الاقتصاد، أي هي المشكلة الاقتصادية، التي تدور حولها كل المعالجات.
النظرة إلى إشباع حاجات المجتمع الأساسية هي موضع اهتمام الأحكام الشرعية في الاقتصاد الإسلامي.
تصب كافة الأحكام الشرعية في مسألة ضمان إشباع جميع الحاجات الأساسية لكل فرد من أفراد الرعية إشباعاً كلياً، وكذا في ضمان تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية .
كون أن المسلمين في الدولة الإسلامية سواء،، على امتداد واتساع الأراضي الإسلامية وحتى كل من يحمل التابعية الإسلامية) من رعايا دولة الخلافة)، فإنه تنطبق عليه أحكام النظام الاقتصادي سواء بسواء لا يُستثنى منهم أحد، وذلك كما جاء في الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وما قيس عليه من الأحكام.
تنطلق أحكام الإسلام الاقتصادية من ثلاث قواعد عامة: تحديد ماهية الملكية وأنواعها، كيفية التصرف بالمال المملوك، وكذلك كيفية توزيع الثروات للناس .

الملكية :
لقد نظم الإسلام الملكية تنظيماً دقيقاً بين ملكية الدولة (نقول الدولة وليس الحاكم أو حزبه)، وبين ملكية الفرد، وبين الملكية العامة، وجعل هناك ضوابط دقيقة جداً في عدم الخلط بينهم، لئلا يفقد الأفراد حقهم في طلب العيش وامتلاك الأموال والتصرف بها، وحتى لا ينتزعها أحد منهم بغير حق من الأفراد أو الحاكم أو زبانيته، وحتى لا يتعدى أفراد على ما هو من الملكية العامة، كالأراضي وثروات الأرض أو المنافع العامة، أو الخدمات كالصحة والتعليم وغيرها، فيُحرم عامة الناس منها، وحتى لا تختلط الأمور بين ما تمتلكه الدولة من الأموال والثروات، وبين ما هو ملكية عامة أو ملكية فردية.

لذا فإن عملية الملكية في الإسلام منظمة تنظيماً دقيقاً، وما يخالفها يكون ليس من الإسلام حتماً وخارج عنه، والانحرافات في الأنظمة الاقتصادية في العالم أجمع تأتي من خلال عدم ضبط هذه الملكيات الثلاث الملكية الفردية والملكية العامة وملكية الدولة، وهو الذي يتسبب في تسلط شرذمة قليلين من حكام دول العالم على مقدرات العالم أجمع، وعلى مقدرات شعوبهم وشعوب غيرهم، فهذا يحرم الملكية الفردية ويجعل الدولة هي المالك لكل شيء (الاشتراكية)، والآخر أطلق عنان الحرية للأفراد بالملكية (الرأسمالية)، فجعلهم يمتلكون ما هو ملكية عامة من ثروات الأرض وغيرها، وجعلهم يمتلكون ما يجب على الدولة أن تمتلكه أصلاً لمنفعة الناس، مما جعل المال ينحاز كله في أيدي أفراد قليلين في العالم (من الرأسماليين(، مما مكنهم أن يسودوا العالم ويعيثوا في الأرض الفساد .
قال الله تعالى في سورة الجاثية 13
وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
وقال تعالى في سورة التوبة 33
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق