الحلقة السابعة عشر - الشخصيات المرتدة العلمانية وغيرها

-->

الشخصيات العلمانية وغيرها ممن إرتد عن دين الإسلام وكفر بالإسلام أو بأحد أصول الإسلام، هم حقيقة الثمرة النتنة التي أنتجتها الأفكار المنحرفة والمحرفة التي ذكرناها في حلقاتنا السابقة، والتي هي من صنع علماء السوء والمفكرين، الذين ارتضوا ومرروا الفكر المنحرف المفروض على الأمة الإسلامية في مدارسها وجامعاتها ودور العلم فيها.

الشخصيات العلمانية، هي التسمية التي إرتضاها لأنفسهم الكفار المرتدين عن الإسلام في مجتمعاتنا اليوم، وهي تسمية حسنة، تقوم بتحسين صورة المرتد، وتقوم بإعطائه صبغة العلم والرقي بالمقاييس العلمية والعملية، وهي كعملية تحسين صورة الربا بتسميته بالفوائد، والزنا بإسم الصداقة، وهي شر مستطير.

لو أردنا أن نعذر نشوء شخصيات كهذه، فقد نجد لهم العذر جدلا وليس حقيقة، في كون أنهم والأمة الإسلامية قد تعرضوا للتغريب المعلوم اللعين، عندما حصل وأقصي نظام الإسلام وأحكامه عنهم منذ قرن، واُقصي عن التطبيق الواقعي، مما جعل الإسلام واقعاً خيالياً إفتراضياً مسلوخاً من الواقع، وجعل أحكامه نظريات إفتراضية قابلة لجدال العامة، وقابلة لأن يتعرّض السفهاء لها، ولطعن الكفار والمغرضين فيها، وأصبحت أفكار الإسلام في مهب الريح، يتناولها المنافقون والسفهاء وعلماء السوء ومن في قلوبهم مرض، ويروّج للطعن فيها وتحريفها أو كتمانها بإعلامهم الحكام المتسلطون على بلدان المسلمين.

بهذا الواقع تشكلت الحياة في البلدان الإسلامية بشكل مخالف لإرادة المسلمين وهواهم وعقيدتهم، وماذا عسى أن يكون بديلاً غير الحياة الإسلامية إلا الحياة الغير إسلامية، وماذا عسى أن يكون نتاج هذا كله من العادات والتقاليد والأعراف غير العادات والتقاليد والأعراف الغير إسلامية، وما عسى أن تكون الأفكار والمقاييس والقناعات التي حلت محلها إلا المقاييس والقناعات والأفكار التي هي من غير الإسلام. فإن لم يكن الإسلام هو السائد في حياة الناس وقرارات أمنهم وسلطانهم، فليس لهم إلا أن يكونوا مستعبدين تحت مظلة حضارة غير حضارتهم، ويعيشون بهوية غير هويتهم، وهكذا كان، فقد بات المسلمون، كما يرى الناظر ويسمع السامع، هم وبلدانهم كافة تحت مظلة مستعمر أو محتل أو مغتصب.

في هذا الواقع ظهرت أجيال جديدة من المسلمين، لا تعرف من الإسلام إلا اسمه وشعائره التعبدية، ولا ترى دولاً ناهضة في العالم إلا الدول التي لا تعرف الإسلام، وباتت هذه الأجيال الجديدة لا ترى بلداناً متخلفة إلا بلدان المسلمين، ثم تلقت دول بلدان العالم الإسلامي بأجهزتها التعليمية هذه الأجيال، تلقتها لتنقل لها كلاماً مزيفاً مفرغاً من كل فكر وعلم وأدب وتاريخ، ومفرغاً من كل علامات النهضة وسماتها، ووافرة بثقافة معرفية سطحية عن الإسلام كأنه دين ينظم علاقة العبد بربه فقط، وليس دين نهضة وعلم وفكر ورقي، ونقلوا لهم في المقابل فكرة أن النهضة وأجهزتها ورجالاتها والفكر الذي يقود النهضة العالمية، إنما هم أمريكا وأووربا وأحلافهم الصناعيون.

بهذه العقلية وبهذه النفسية نشأت الأجيال الجديدة، بالشخصيات المتنوعة والمتعددة التي ذكرناها، ومنها الشخصيات المرتدة بغير علم، والمرتدة العلمانية.

 لقد برزت الشخصيات العلمانية بروزا ظاهراً واضحاً لا يخفى بدعم وتشجيع واضح وصريح من الحكومات، حتى أنه أصبح معلناً بلا حرج وبلا حياء كمن قبل، وهم بأسمائهم الحقيقية محمد وعلي وحسن وعبد الرحمن، وبهوية مسلم، ولكن لا يجرؤ أكثرهم الظهور بإسم مرتد أو كافر، وإنما يظهرون بإسم "علماني"، عَلِمَ هذا المسمى من علمه وجهله من جهله، وذلك حتى يحافظوا على وجاهتهم كمسلمين أمام الآخرين.

العلمانيون هم في الحقيقة خناجر في خاصرة الأمة الإسلامية، ودعاواهم تتلخص في إخراج الناس من عبادة الله وإتباع رسوله إلى عبادة دعاوى الديمقراطية والحرية أو الإشتراكية، أي إلى عبادة الطاغوت بالمفهوم الشرعي. وتتضمن دعاواهم دعاوى الإصلاح السياسي والإجتماعي والإقتصادي من منطلق الفكر الرأسمالي أو الإشتراكي أو غيره، والدعوة إلى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، والدعوة إلى الإباحية بشتى أنواعها (الحرية الشخصية). وهم عُرّاب دعوى "ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، أي فصل الدين عن الحياة، أي يُترك الناس وشعائرهم التعبدية، ولكن يَحرُم الحديث عن تطبيق الشرع في الأنظمة الإقتصادية أو السياسة الخارجية (الجهاد)، أو الإجتماعية أو القضائية، أو في نظام الحكم، أو في غيره .

تتصف الشخصيات العلمانية في نفسها، وفي تربية أبنائها بصفات تميزها عن غيرها من المسلمين، بوضوح رؤيتها ورؤية دعوتها التحررية الإباحية، وتتصدر بكتاباتها المايعة الصحف والمجلات، وتتصدر بأطروحاتها الفكرية والفنية البرامج التلفزيونية والإذاعية، فلا يعلم القارئ والسامع والمشاهد ما تريد وما ترمي إليه وتهدف،، وتقدم الشخصيات العلمانية من المعالجات لمشاكل الأمة ما هو من غير شرع الله، كدعوى الصلح مع إسرائيل، ودعاوى السلام، وتقارب الأديان، أو تنمية الإنتماء الوطني، والإنتماء القومي، أو إنشاء البرلمانات، وما يسمى بمجالس الشورى كبديل إصلاحي للأنظمة الحاكمة القمعية، والسعي للحصول على أصوات في المجالس البلدية أو غيرها. المهم أن تكون المعالجات مما لا يقوله الله سبحانه وتعالى ورسوله محمد r .

هذا مما أبتُلِيَ به المسلمون ، إضافة إلى بلاءاتهم المفرطة بغياب شمس الإسلام وحكمه، وهكذا يخرج من بين أظهرنا من يكفر بالله ويحارب الله ورسوله، ويحارب أهله تحت مظلة الديمقراطية والحرية، أو الشيوعية والإشتراكية أو غيرهم، يتحمل إثم ذلك، هم وكل من له يد في تحريف الإسلام وتحريف مفهوم الشهادتين ومقتضياتهما من الحكام وعلماء السوء ودكاترة السوء، ومن يسير في دربهم والعياذ بالله.

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف :

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالا «103» الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا «104» أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا «105» ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا» «106

وقال في سورة المائدة 54

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم

هناك 8 تعليقات:

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. لسلام عليكم يا دكتور محمد،
    كان الوصف للشخصيات المرتده رائع جدا و واضح جدا جدا ..
    ولكن سؤالي لك بعد هذا الوصف الدقيق الذي تناولت فيه كل الجوانب في هذه الشخصيات وانتشارها ومستوى تعليمها وضررها على المجتمع الاسلامي .. لماذا الصوره كلها سوداء؟ ألا يكون للاسلام أناس يطهروه من انجاس هؤلاء الجيف؟ لماذا نظهر الاسلام في صورة المغلوب والمشوه؟؟ الاسلام قوي وعزيز وألمتني كثيرا الصوره التي شرحتها.وشكرا

    ردحذف
  3. أخي أو أختي الكريمة

    حسبي الله ونعم الوكيل في من وصفتهم، وحاشا لله ولدينه أن يُنتقص من مثل هؤلاءالشراذم، ولذا يا أخي أنا وصفت واقعاً، ولست مسؤولاً إن كان هذا الواقع أليماً أو أسوداً
    في المقابل فلا تخف يا أخي فالله معز دينه ولو كره الكافرون
    بل إن أكثر الخاسرين من غياب هذا الدين هم من يكفر به
    وأسود هذا الدين لربما تكون حبيسة عند أعدائها ولكن هيهات لهذا أن يدوم
    ونحن نعمل للمستقبل وعسى أن يكون قريباً
    مع تحياتي وشكري لغيرتك الشديدة

    ردحذف
  4. بنت إسماعيل19 يونيو 2010 في 2:04 م

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أخي العزيز الدكتور التركي

    جزاك الله خيرا لكل ما ترسله اليي

    من درر من المعرفة

    وهذه احداها التي احتاجها لأعيد ارسالها

    لكل من اعرفهم

    عسى هذه الكلمات تميط اللثام عن اعين الكثيرين فيرواحقيقة ما نحن فيه

    والله يهدينا جميعا الى سواء السبيل

    اللهم انا نستغفرك ونتوب اليك

    فاغفر لنا وأرحمنا وانت ارحم الراحمين

    آمين

    ردحذف
  5. Dear Sir

    I think human beings need an open mind to discover what they should discover about life's facts and beings existence before s/he judge others. I personally think that no one on this earth can claim the knowledge about our existence.

    ردحذف
  6. د. محمد سعيد التركي23 أبريل 2012 في 3:13 م

    عزيزي الفاضل ماهر بعد التحية
    أشكرك على تفاعلك وتواصلك، وأحترم رأيك السديد، ولكن سر وجود البشرية (إن كنت قد فهمت ذلك من رسالتك) فـإن ذلك مما يجب الحديث عنه وبحثه لأنه يوصل الإنسان إلى عقيدة ثابتة وراسخة تصنع له هويته في الحياة وتقرر هوية أخلاقه وسلوكه وعلاقاته مع نفسه ومع الآخرين، وهذا مما سنتحدث عنه إن شاء الله بدءا من الحلقة العشرين من السلسلة
    تحياتي لك

    ردحذف
  7. السلام عليكم
    شكرا د محمد على هذه السلسلة العلمية وعلى جهودك القيمة
    لكن اقترح ان تسمي هذه الشخصيات باسمائها الحقيقية كي يتعرف عليها المسلمين ويحذرون منهم
    اي من هم هؤلاء الاشخاص اليس موجودين بالمجتمع
    اعني على مستوى قيادات
    وشكرا لكم

    ردحذف
  8. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي الدكتور خالد
    أشكر لك تفاعلك واهتمامك ، وأسأل الله أن يكتب لنا ولكم طاعته ورضاه، والفوز بالجنة، أنت تعلم كم هذه الأعمال تتطلب جهدا وعناية فائقة وتقديمها لكل المسلمين بمختلف فئاتهم العمرية والعلمية والفكرية، وشعورك بالغيرة على كشف الشخصيات بإسمائها ينتابني كذلك، ولكن إن فعلت ذلك أخرجني من المنهجية التي اتخذتها في كتابة السلسلة، ويجعلني أدخل في معركة من نوع آخر أنا في غنى عنها، وقد يكون التخصيص يصرف النظر عن أناس كثيرين من نفس الشخصيات المعنية
    فأشكر لك أخي اهتمامك وأسألك أن تدعو لنا بالفتح والنصر القريب على كل أعدائنا من الحكام والظالمين والمجرمين وأعوانهم
    وتقبل مني فائق التحية

    ردحذف