علاقة قوة الشخصية بالقيادة و غيرها :
و قد تكون قوة الشخصية متلازمة بشكل طبيعي مع صفات أخرى من جنسها، ولكن أرقى منها، كتلازمها مع صفة القيادة ، فغالباً ما تجد القائد الحقيقي تزداد قدرته القيادية كلما قَويَت شخصيته، و تَقوى شخصيته كلما كان يمتلك صفاتٍ أكثر من تلك التي تصنع الشخصية القوية .
ولا نقول أن قويّ الشخصية قائداً وجوباً، و لكن نقول أن القائد يحتم عليه أن يكون قوياً للشخصية ليكون قائداً .
و إنه لا يمنع أن تكون هناك شخصيات قوية و كريمة في آن واحد، و غيرها أخرى قوية و شريرة في آن واحد، ولا يمنع كذلك أن يمتلك صاحب الشخصية القوية صفات إضافية في جانب الخير أو في جانب الشر .
مع العلم أن مفاهيم الفسق أو الشر تختلف من حضارة لأخرى، فالشخص الفاسق الشرير عند أقوام قد يُنظر إليه بين قومه أنه بطل يستحق الإحترام . و تتطلب هذه الحقيقة شرحاً مطولاً .
الشخصية القوية من منطلق الميول الغريزية :
أما الشخصية القوية فهي مطلب عند كل إنسان، وهي ميل منطلق من غريزة البقاء، فكل إنسان يميل إلى أن يكون سيد نفسه أو سيداً لعائلته أو قومه ، فنجده يسعى بكل ما أوتي من حيلة لأن يشبع هذا الرجع الغريزي، حتى ولو اكتفى بسيادته على نفسه و سيادته على أيّ شيء يؤمن بضرورته لإشباع جوعاته و إشباع ميوله الشخصية الأخرى المرتبطة بغرائزه الأخرى الطبيعية .
و نجد آخرين ممن تتعدى أهواؤهم سيادَتهم على أنفسهم و حاجاتهم العضوية إلى سيادتهم على أكبر قدر ممكن من المحيط الذي حولهم من الناس أو الأشياء، ما الذي يدفع الإنسان لأن ينمي في نفسه قدرات شخصية إضافية تؤهله لتحقيق هذه السيادة التي توافق طموحه .
فلو كان طموح أحدهم مثلا تَولّي منصبٍ إداريّ رفيع المستوى، فإنه سيعلم بالتأكيد أن هذا المنصب في حاجة إلى مؤهلات علمية معينة، و مؤهلات أخرى شخصية، تبدأ من الإستزادة من العلم الإداري والمعرفة عن أمور العمل و ما يتعلق به، مروراً بتجنب جميع الصفات التي تسقط هيبة الإنسان من التي ذكرنا آنفاً، و إنتهاءً بجميع الصفات التي تحافظ على الهيبة، بل و التي تزيد شخصية الإنسان وقاراً و إجلالاً و قدراً في النفوس و إحتراماً .
و لو كان طموح أحدهم مقتصراً على العمل الوظيفي، ثم يعيش في هذا الإطارٍ الضيق من العلاقات الإجتماعية أو العملية أو العلمية، ليوفر لنفسه عيشاً هادئاً حسب تصوره، فإنه قد لا يُهمه كثيراً من الصفات التي تُسقط أو تحافظ على الهيبة أو تزيدها إجلالاً أو وقاراً .
لذا فإننا نلاحظ أن السعي إلى بلوغ درجة متفوقة في الأعمال و خاصة الإدارية منها و القيادية ليس مرتبطاً فقط بالعمل لتنمية المقدرات الشخصية العلمية و العملية المتعلقة ببلوغ هذا المرام، و إنما بمستوى الطموح الذي يحمله الإنسان في داخله .
هذ الطموح يرتبط كما ذكرنا بحب السيادة، الذي يدفعه للسعي بشكل أو بآخر إلى تنمية المقدرات التي تُوصله لهذا المنصب أو ذاك من تلك الصفات المتعلقة بصناعة شخصية قوية من التمكن و التأثير فيمن حوله و إنجاح المهمات التي يتولى أمرها .
يُشترط لنجاح هذه المنظومة، الطموح و حب السيادة مع النزعة لبناء شخصية قوية توافق هذا الميل و هذه الطموح، الصدق في الإتصاف بهذه الصفات لبناء الشخصية القوية، وكذلك الطموح الصادق لهدف الإنتاج والتطوير أو النهضة والقيام بأعمال مؤثرة و ناجحة .
إلا أني يجب أن أؤكد أن كل ما ذكرت آنفاً فيما يتعلق بهذه الأمور لا يشترط أن يكون مستخدماً في جانب الخير فقط، و إنما هو وصفٌ مجرد لأمر قد يُوظف للشر كما هو ممكن توظيفه في الخير .
علاقة السعادة بقوة الشخصية و الطموح ؟
وقد ينحرف مفهوم الشخصية القوية عند بعضهم، فيظن بعضهم أنها تتحقق بصنع مظهر مهيب في الملبس أو شكل الوجه أو في الجسم، ويظن أخرون أنها تتحقق بكثرة الأموال والأملاك والسيطرة العمالية والتفاخر بها، ويظن غيرهم أنها تتحقق بالبطش وإرهاب الناس وما يرتبط بذلك، وقد يظنون أنها تتحقق بكل هذه الأعمال المادية دون غيرها، ولذلك فإننا لا نعجب عند كثيرين ممن يفشلون في صنع الهيبة لأنفسهم أن يعمدوا إلى كثير من هذه الأفعال، كتكثير الأموال أو الأبناء أو النساء، أو إلى تغيير الشكل، وتعمد لبس الثياب الفاخرة، أو العمم، أو تربية اللحى، أو غيرهم ممن يعمدون إلى البطش أو العنف على المستوى الفردي أو الجماعي أو الدولي لصنع الهيبة المفقودة وتغطيتها، وقد يهمنا هنا النظرة إلى الفرد قبل غيره فنرى سلوكيات كثيرة تربوية منحرفة في المنزل والمدرسة والجامعة وفي التعاملات الفردية المتبادلة في شتى المجالات .
بقى تساؤل أخير وهو إذا ما كان لكل إنسان القدرة على بناء هيبة ووقاراً وإحتراماً لنفسه أو ما يسمى بشخصية قوية،، طبيعي أن كل إنسان قادر على ذلك إذا أراد، والإرادة فوق كل شئ، بل حتى لدى الأشخاص ساقطي الهيبة فإنهم قادرون على إرجاعها، إلا أننا يجب أن ندرك أن صنع الهيبة والقدرة على ذلك تتفاوت من شخص لأخر فمنهم من يحتاج إلى كثير أو قليل من العناء لصنعها ومنهم من يمتلك الموهبة لذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق