قوة الشخصية- الجزء الأول

الجزء الأول :-


قوة الشخصية لفظ إصطلاحي درج عند عامة الناس، وعند بعض الخاصة للتعبير به عن هيبة شخص ما ، فيقال عن هذا أنه ضعيف الشخصية و يقال عن الأخر أنه قوي الشخصية، و بين هذا و ذاك درجات قد يطلق عليها صفة ما بهذا المقياس، و غالباً ما لا تجد صفة بهذا القياس على آخرين، فيكون هناك ضعفاً لغوياً في توصيف الأشخاص و نعتهم بما يتوافق مع صفاتهم .

و لذلك فإن هذا الاصطلاح تنقصه الكفاية أو الضبط الدقيق ، فقد يُعتبر شخص أنه ذو شخصية قوية لمجرد أن يكون ذا غنى ، أو يُعتبر آخر أنه كذلك لكونه ذا منصب إداري أو قيادي ، أو أيّ شخص له حضور إجتماعي أو معنوي .

و لذلك فإني أجد إطلاق لفظ الهيبة فيما يتعلق بقوة الشخصية أصدق من لفظ قوي الشخصية، فنقول رجل ذو هيبة وآخر كريم وغيره وقور، كلٌ بحسب الصفة الغالبة عليه، وكل منهم له صفات معينة تميز شخصه عن غيره من بني الإنسان، و بذلك يختلف الأشخاص عن بعضهم البعض وتتمايز شخصياتهم .

علاقة قوة الشخصية بالأعراف

و بما أن بحثنا في هيبة الإنسان أو قوة شخصيتة كما يقال، فإن كل شخص يتلقى من الإحترام والهيبة قدراً مساوياً لما يقدمه هذا الشخص للمحيط الذي حوله من سلوك و صفات يتصف بها، فإذا ما كان هناك خلل في السلوك في أمر ما مخالف للعرف العام في المنطقة التي يعيش فيها، فإن قدر الإحترام و الهيبة لصاحب هذا السلوك تتدنى بالقدر نفسه ، و للأعراف الموجودة في المجتمعات المختلفة دور هام في تقرير إستحسان سلوك ما أو ذمّه ، فالشخص الذي يعيش في مجتمع غربي على سبيل المثال و يقوم بسلوكيات تخالف الأعراف الموجود فيه، يكون قد قدم سلوكاً غير مُرضٍ للمحيط الذي حوله ، مالذي يجعله موضعاً لإنتقاده و للإنتقاص من إحترامه و هيبته بينهم.

و كذا الشخص الذي يعيش في مجتمع إسلامي فإنه إن قام بأفعال تخالف عرف الإسلام فإنه بذلك سيكون موضع إنتقاد و إنتقاص لهيبته و إحترامه، فالإنضباط السلوكي بحسب عرف معين في مجتمع معين كلما إزداد الإلتزام به إزدادت هيبة الشخص في النفوس و زاد إحترامه في ذلك المجتمع .

و هناك من الطبيعي سلوكيات معينة أخرى قد لا ترتبط بعرف معين أو مجتمع معين و إنما هي مما أجمع عليه جميع بني الإنسان، إنطلاقاً من الفطرة التي فطروا عليها فمنها ما يزيد هيبة الإنسان ووقاره ، و منها ما يسيء إليها فيسقطها .

سقوط الهيبة

و إن مما يسىء إلى هيبة الإنسان ووقاره و إحترامه عادة، كثرة المزاح ، أو فعل المزاح في غير موضعه ووقته ، و كذا كثرة الضحك، أو الضحك فيما لا يدعو إلى الضحك أو المبالغة في رفع الصوت به .

و كذا السخرية و الإستخفاف بالآخرين و الإعلان بها، أو جعل السخرية هي الغالب في الحديث عن الأخرين، أو جعل الإستخفاف بالآخرين و أفعالهم هي الغالب في أسلوب الحديث .

و كذا تجاهل آداب الحديث مع الغير كعدم الإنصات أو مقاطعة أحاديثهم ، أو الحديث إلى الغير بأسلوب تهكمي، أو جعل الإستفزاز هو طبع الحديث إليهم ، أو إبداء عدم الإهتمام بشخص من يتحدث إليه، أو كمحاولة الإستئثار بالحديث دون الحاضرين، أو الحديث فيما يعلم الإنسان أو فيما لا يعلم، أو التسابق إلى الحديث دون الأخرين، أو محاولة الإستعلاء على المتحدثين بأي أسلوب، أو كأن يُظهر الإنسان نفسه بأنه الناصح الحكيم بين الحاضرين، أو أن يقوم بدور الآمر الناهي في المجالس .

كذا فإن الصياح و كثرة الصياح في أي موضع من المواضع تُسقط هيبة الإنسان و تفقده من وقاره، وكذا استخدام الشتائم في الحديث عن غيره، أو الإنتقاص من منزلة بعضهم، أو الميل بالتعدي على غيره بحق أو بغير حق، حين يُساء إليه .

كذا فإن ما يفقد الإنسان هيبته إتصافه ببعض الصفات الدنيئة، كقبوله بالظلم على نفسه أو غيره وقبوله بالذلة والمهانة وإستسلامه لها، أو إتصافه بالجبن، أو اتصافه بالبخل أو بالجشع أو بالطمع، أو أكله حقوق الناس أو قيامه بأعمال دنيئة كالسرقة أو النصب أو الإحتيال،،، وإن من إهمال الإنسان لواجباته ومسؤولياته باعث لفقد هيبته وسقوط منزلته، عند القريب وعند البعيد من الناس، كسقوط هيبة الكبير عندما يقل نفعه، أو إشتغال صاحب المسؤولية بشهواته عن تكاليفه أو عن بنيه وأهله، أو كالذي تكون شهواته هي موضع اهتمامه وأحاديثه .

و لكن كثيرا من الصفات التي ذكرت في حاجة إلى من يقررها و يفرضها، و يثيب فاعلها و يعاقب تاركها، في المجتمع الواحد، لتكون عرفاً بين الناس، يتعارفون عليه، فيتحابون من أجلها و يتباغضون لمخالفتها، إما إن خضعت صفات كالبخل و الغش و الخداع و الكذب و الأنانية و غيرها للحرية الشخصية التي لا يُحاسب الفرد أو الجماعة عليها، تنقلب الموازين في المجتمع الواحد وتنقلب معها بالتالي موازين الهيبة أو قوة الشخصية .

الحفاظ على الهيبة

أما الصفات التي ترفع الإنسان و تحافظ على هيبته، أو تُكسبه هيبة ووقاراً في النفوس إتصافه بالحلم، ويزيده هيبة ووقاراً عدم غضبه لنفسه، وتسامحه وتجاوزه عن خطايا الآخرين مختاراً، يكتم غيظه في الوقت الذيٍ تهيج فيه النفوس عادة وتغتاظ، فلا يفزّ إذا ما اُستُفزّ، ولا يحمق إذا ما اُستحمق، ولا يثور إذا ما أُستثير، يتفاعل كذلك من منطلق عزة و ليس من منطلق هوان وذل.

قول الحق وطلبه وشدته فيه تصنع للإنسان هيبة ووقارا، كرفضه للباطل و شدته عليه، و كنصره للمظلوم و نجدته للمستغيث و مساعدته للضعيف و القيام بمصالح الناس .

و تزداد هيبة الإنسان كلما زاد نفعه للناس، ونفع الإنسان للناس يكون بزيادة علمه حيث تزداد حكمته و زِنة أفعاله، فلا يفعل فعلاً أو يقول قولاً في غير موضعه، و تزداد هيبته عندما يوقر الكبير و يرحم الصغير، و عندما يكون أكثر الناس إحساناً، بدءاً بأهله و أقاربه، و يزداد صاحب الهيبة هيبةً كرمه و سخاؤه و قناعته بما عنده، و يزيده هيبة سهولة تعامله و سهولة مقاضاته و تقاضيه .

و تزداد هيبة الإنسان بشكل صارخ و ملفت للأنظار، وتكون لشخصيته تلك القوة الملحوظة عندما يعمل على تبني مصالح الناس، و تجده دائماً يسبق غيره في المواقف الصعبة فيكون بطلها و رجلها، دون حاجته إلى الثناء أو الشكر، و عندما يكون وُجهَةً للأنظار في الكوارث و الأزمات لإيجاد الحلول و الخروج من المآزق ، و عندما يكون هو الشخص الذي يُشار إليه بالبنان للحصول على رأي في مصلحة ما طارئة او أمر عاجل .

و إن من الصفات التي تزن هيبة الرجل و ترجح كفته عن غيره و ترفع قدره، قوته في إتخاذ القرارت و تصميمه على إنفاذه لها، و قوته في إتمامه لها، و الوقوف عليها بكل عزيمة و صبر مهما خالف آراءُ الآخرين رأيه فيها .

و إن مما يصنع للشخص مهابة و إجلالاً في النفوس و تميّزاً إتصافه بالشجاعة و الإقدام عند قيامه بالأعمال، أو إتخاذه للقرارت الصعبة منها كالسهلة، و لا يقف أمامه شيء عند تنفيذ القرارات .

عندما تجتمع لشخص ما صفات الهيبة و الوقار و الإحترام و الإجلال في نفوس المحيط الذي حوله، من خلال الصفات التي ذكرنا، نستطيع إذن أن نتحدث عن قوة الشخصية .

أما إذا كان هناك إصطناعاً وتصنعاً للأفعال في سبيل بلوغ شخصية قوية، فإن إصطناع الأفعال أو محاولة الإتصاف بأي صفة مما يصنع الهيبة فإن ذلك يظهَر للناظرين ممجوجاً و زائفاً و مُقلّداً، ومكشوفا تماماً .

فبهذه المحاذير و بهذه المطالب يصنع الإنسان لنفسه، إن كان صادق مع نفسه، هيبة و وقاراً و إجلالاً، وإحتراماً في نفوس المحيط الذي حوله، وتتكون لديه ما يسمى بقوة الشخصية .

هناك 4 تعليقات:

  1. السلام عليكم يادكتورمحمد: كانت هذه الصفات في شرحك الجميل الوافي... تصديقا على ان الرجوله هي صفه وليست تحديد نوعيه .. فعند تحديد النوعيه خلق الذكر والانثى .
    ولاكن الرجوله,والهيبه,قوةالشخصيه او حدنها,الحلم,البر باالأهل,الأهتمام باالصغائر في المسؤليه قبل الكبائر فيها .... كلها من الممكن ان تكون في رجل واحد أو أمرأه بستين رجل .

    ردحذف
  2. شكرا جزيلا لك يادكتور على افاده وجزاك الله كل خير

    ردحذف
  3. الله يحفظك ويبارك فيك، وجزاك الله خيرا

    ردحذف