اللغة العربية سلاح نهضة الأمة الإسلامية
اللغة هي وسيلة صلة الناس بأنفسهم، وصلتهم بأفكارهم ومقاييسهم وقناعاتهم،
وصلتهم بمشاعرهم وأنظمتهم، وصلتهم بغيرهم من الناس، وبغيرهم من الدول والشعوب،
وصلتهم بنهضتهم الفكرية والعلمية ونهضتهم الاقتصادية والزراعية والاجتماعية
والعسكرية والجهادية.
وحيث أن كل هذه الأمور تستحيل بدون لغة، لذلك لا نجد أحداً من البشر أو
مجتمعاً أو أمة أو دولة تعيش أو تنهض من دون أن تتخذ لنفسها لغة تعتمدها للتواصل
بها مع نفسها ابتداء ومع نهضتها، وتتواصل بها مع من حولها من الدول والأمم، وتتعامل
بها ومن خلالها مع كل سبل الحياة.
وبكل تأكيد فإن فكر الإنسان ينخفض وتتدنى حياته وسعادته، وتتواضع نهضته
كلما انخفض مستوى بلاغة اللغة التي يستخدمها، وانخفضت قدرة هذه اللغة على تغطية
احتياجات الإنسان الفكرية والنفسية، أو إذا تدنى علمُ الإنسان بلغته وبأسرارها
وأدبياتها وانخفض، فتمام الرقي الفكري يكون بتمام اللغة.
اللغة هي الطاقة الحقيقية التي تكمن وراء صناعة كل شيء في الحياة، وقد
تضطرب أعمال الحياة ونهضة أمة بتوقف اللغة أو انحرافها وانحراف المفاهيم التي
تحملها.
إن اللغة هي روح الأفكار، وقوام الآراء، وكمال المنطق، وسداد العلم، والبحر
الذي تسير فيه السفن، والريح التي تحمل الطير والمزن، وهي التي تشكل الحياة بشكل
جديد، وتلون السماء بألوان هي تختارها، بل قد تعطيك اللغة صفاتٍ للأشياء بغير
حقيقتها، فتُسعد الشقي، وتُشقي السعيد، وتكبر الصغير، وتصغر الكبير، وتضيّق
الواسع، وتوسع الضيق، وتشرح الصدر الضيق، وتقبض الصدر المنشرح، وكذا كما باللغة
ومن خلالها تُحفظ الأفكار وتصان، فإن بها تشوّه الأفكار وتهان، ويتم بها تحريف
وتغيير الصحيح من المعتقدات والعادات والتقاليد، وبها يتم كذلك تمجيد الفاسد من
المعتقدات والعادات والتقاليد، وتغيير القناعات وتوجيه العباد وأفعالهم إلى اتجاه
فاسد أو صحيح.
وقد كان الإسلام ورسالة الإسلام الرفيعة، وفكره الراقي، وأدبياته العظيمة،
ونظامه المتكامل، وحضارته السامية، قد كان لزاماً لها لغة أدبية بليغة وعظيمة،
قادرة على تقديم الإسلام في صورته الحقيقة المتميزة، أي في حاجة إلى لغة لديها
الكفاءة على التبليغ المتناهي لأفكار الإسلام وشريعته وأصول عقيدته، فكانت اللغة
العربية بحق هي العروس القادرة على إيصال الدين الإسلامي بكل ما يحتوي من فكر
عظيم، ونظام شامل كامل لكل مناحي حياة الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،
وكانت هي العروس التي لديها القدرة على أن تجسد أفكار الإسلام وفضيلته بألفاظها
الدقيقة، وثروة كلماتها المتنوعة، ما تعجز عن فعله كل لغات العالم مجتمعة.
وقد كان، وارتبط دين الإسلام باللغة العربية ارتباطاً عميقاً مُحكماً، كما
أراد الله سبحانه وتعالى للّغة العربية والإسلام، حتى بات يستحيل لدين الإسلام أن
تُصاغ فكرته، أي عقيدته، وتُدرك روحه بدون اللغة العربية، أو أن يُفهم نظام
الإسلام بفروعه أو يُطبق بدونها، أو أن يُنشّأ المجتمع الإسلامي الموحّد أو أن
تتكون الأمة الإسلامية بغيرها، وبات يستحيل أن تتم دعوة الإسلام وانتشار حضارته
كما جاءت بسواها.
وكما أن اللغة العربية هي أُسّ كل شيء، وهي روح حضارة الإسلام، فهي نفسها
السلاح الذي استخدمه الأعداء لمحاربة الإسلام والمسلمين، ومحاربة حضارتهم والوقوف
دون انتشارها، وكانت هي فعلاً الطريقة المثلى لمحاربة الفكر الإسلامي ومفاهيمه
التي تنبثق عنه ومحاربة انتشارها والانقياد بها.
من ضمن محاربة اللغة العربية والإسلام ونهضته ما فعله السياسيون والحكام
عندما حجبوا اللغة العربية عن العرب أنفسهم، فنجحوا بمكر ودهاء عظيم تحريف ألفاظ اللغة
العربية عن مدلولاتها والمفاهيم التي تحملها، وبفضل جهود عظيمة كان لعلماء
السلاطين والعلمانيين من دكاترة الجامعات العربية والغربية والحكام والمثقفين نصيب
الأسد فيها، فقد سار هذا التحريف مع خطة تحريف فكر الإسلام وعقيدته عن أصوله
بتحريف مفاهيم الألفاظ الأصولية من أصول الفقه وأصول العقيدة، حتى بات الإسلام
ديناً جديداً للناس غير الدين الذي أتى به سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، ولم
يعد يفقه أصوله على أصل اللغة العربية وقواعدها الصحيحة وألفاظها ولا يعلم قواعده
إلا العالمون به وهم قليل.
أما عامة الناس من المسلمين، فقد غُيّب الدين الإسلامي عنهم، وذلك من خلال
احراف اللغة العربية عن أفهام الناس وعقولهم، حيث باتوا لا يدركون مدلولات الألفاظ
العربية الشرعية أو اللغوية، وباتوا لا تفقهها عقولهم، ولا تتحرك لذكرها مشاعرهم،
وبهذا بات المسلمون لا يفقهون القرآن ونصوصه ونصوص السنة الشريفة المطهرة، وأصبحت
اللغة العربية عند المسلمين عرباً أو عجماً مفصولة عن المقصد الشرعي الذي يحرك
مشاعر الإنسان، ويستفز غيرته عادة، ويستثير حميته لدينه، فإن ذكرت لأحدهم التقوى
لم يكترث لذكرها، في الحين الذي كان الناس عند قوام اللغة آنذاك تهتز مشاعرهم
وأبدانهم ويحملون سيوفهم لذكرها.
وإن ذكرت لهم الإيمان اليوم لم يكترثوا لذكره، في الحين الذي كان الناس عند
قوام اللغة ترهف قلوبهم لذكره، وتهيج نفوسهم.
وإن ذكرت لهم الإسلام اليوم لوّوا رؤوسهم، في الحين الذي كان الناس عند
قوام اللغة تطال أعناقهم وتشد انتباههم.
حال ذلك حال جميع الألفاظ دقيقة المعنى والمفهوم، كلفظ الولاء، والعبادة،
وولي الأمر، لفظ الشهادة ولفظ الإله في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله، وغيرها من الألفاظ الفكرية والعقدية، فباتت اللغة العربية عند المسلمين
تُستخدم للعيش فقط، وليس للنهضة أو لتبني الإسلام أو لتطبيقه في واقع الحياة.
وقد اشتغلت كل القوى السياسية المحلية والعالمية، وكل شياطين الجن والإنس،
على تغيير اللغة العربية، وتحييدها وإلغاء الحياة بها عند الشعوب المسلمة بعد نكسة
سقوط دولة الخلافة، ثم استخرجوا للشعوب الإسلامية في مختلف البلدان لغة مستحدثة
هجينة من اللغة العربية ولغاتٍ بائدة أو مندثرة وأحلّوها محل اللغة العربية كبديل
عنها، بل وأجبرهم الحكام على التعامل بها وترك اللغة العربية، كما في تركيا، أو
أفغانستان وإيران والهند وباكستان، والعديد من الدول الآسيوية والأفريقية.
ولذلك فإنه للعودة لدين الإسلام، ولبعث روح الإسلام من جديد في الأمة، وحتى
ينهض المسلمون، وحتى يعودوا كما كانوا في عزهم ومنعتهم فلا بد من صناعة الحياة من
جديد باللغة العربية ودراستها كما جاءت بمدلولاتها اللفظية، ودراسة وتدريس
مدلولاتها الشرعية الحقيقية، حتى تحصل القدرة على العمل بما جاءت به، وجعلها موضع
التطبيق والاستخدام، وجعلها موضع العمل والإنتاج والعبادة، وصناعة النهضة
العمرانية والصناعية والزراعية بالفكر الإسلامي المعتمد على اللغة العربية، بهويته
التي عرفها المسلمون والعالم أجمع وأناروا به الأرض كلها.
إن اللغة العربية ذات طاقة فكرية وروحية وعملية وأدبية تفوق كل لغات
العالم، وهي السلاح الأقوى الذي نستطيع أن ننهض به ونعود به لقيادة الأمم والعالم
أجمع، ولن تكون نهضتنا باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو بأي لغة أخرى مطلقاً.
قال الله سبحانه وتعالى في سورة فاطر آية 14
إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا
اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا
يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف 193
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ
أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ
وقال تعالى في سورة يوسف - الآية 2
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
وقال تعالى في سورة الرعد 37
وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ
وَلَا وَاقٍ
وقال تعالى في سورة طه - الآية 113
وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ
الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا
الشرف كل الشرف لي أخي الكريم في أن أزور مدونة فتية وهادفة.. أرجو لك التوفيق دوما
ردحذفلم يفرق الناس بين العود و الحطب السلام عليكم أستاذي
ردحذفحتى لا أرسل الكلام أرسالا و لا تكون مداخلتي تنظير و مصطلحات اتسال كم من القراء الذين سيقرؤن المقال و يمرون مرور الكرام اما على امل العودة لقول كلمتهم واما ان ذلك لا يعنيهم.....المهم اطلب ترجمة مقالتك الى الفرنسية حتى تاخذ حقها لاهميتها
كل الود
تلميذك
أخي الكريم الأسناذ عبد القادر
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسأل الله الكريم الحليم أن يكتب لك الأجر و الثواب لمتابعتكم لسلسلة المعرفة، التي أسعى جاهداً أن يتقبلها الله مني ، وينفع بها من أراد لقاء وجه الله بقلب طاهر وعمل صالح، أمين
أما عن رغبتك ترجمة الحلقات للفرنسية فذلك من دواعي سروري الذي لا تحتاج فيه لإذن مني ، فأبواب رحمة الله وثوابه مفتوحة لكل مخلص ولكل عامل، وعملنا هذا لا نرجو منه إلا أن نبريء ذممنا أمام الله بأن إجتهدنا في توعية المسلمين بدينهم بصورته الحقيقية التي طالما شوهت، وحرفت
إذا قمت بترجمة أي شيء فأرجو إرسالها لكل من تعرف ولا تنساني من نسخة منه لي، لأن أشعر بالسعادة بالرغم من أني لا أعرف شيئا باللغة الفرنسية
أسأل الله أن يتقبل مني ومنك وأن يكتبه في ميزان حسناتنا فسيدنا الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال :لأن يهدي بك الله رجلا خير لك من حمر النعم
فائق تحياتي وإحترامي لشخصك الكريم
الدكتور الفاضل محمد التركى حفظك الله ورعاك ....
ردحذفكل الشكر والتقدير على مجموعة سلسلة المعرفة وأسأل الله أن يجعلها فى موازين حسناتك ...
اهنئك على هذه المؤلفات الجميله وبعد
ردحذفشكرا لكم يا اهل العلم والعرفان لم تبخلو علينا بالنصح والارشاد
شكرا لك مرة اخرى، شكرا ينبع من القلب كالماء يفج من صدوع الارض الجافه ينبت الزرع فيها اما بعد
انا الفتى ذو الاربعة عشر قلمي موهب بالادب والشعر
انقشع الغبار من حول عقلي وينعت وتفتحت وردة العلم عندي
كما ورد في البيتين السابقين اني ابلغ من العمر 14سنه ولدي مواهب
كيف كنت عندما كنت في عمري
واحكم على وضعي