الحلقة السادسة - ولي الأمر




تحريف مفهوم فكرة ولي الأمر عن واقعها الشرعي الصحيح أحد المصائب التي ابتلينا بها، وخاصة أن فكرة ولي الأمر تعني للمسلمين أحد أركان دولتهم العظمى، التي تصل بحق إلى درجة التقديس، ففي فكرة ولي الأمر تماسك لدولة المسلمين، وحفظ لوحدة المسلمين ووحدة كلمتهم، وعظمة قوتهم وشدة بأسهم، لأن ولي أمر المسلمين هو القائم على أحكام الإسلام وأوامر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بتطبيقها وحمايتها وصونها، وإقامة أحكام الجهاد، ونشر الإسلام، ونصرة المسلمين، وحماية ديار المسلمين وأموالهم وأولادهم، وصون أعراضهم، وهو القائم على توظيف طاقات المسلمين وثرواتهم في سبيل النهضة والإنتاج، والعمل على رفاهية المسلمين، وحماية المسلمين من تدمير صناعاتهم وزراعاتهم وتجارتهم، والقائم على حمايتهم من تسلط أعدائهم، ومن احتكار الأموال والاستغلال، وحمايتهم من الفقر والحاجة والعوز، والعمل على عزتهم وحريتهم وتعزيز سلطانهم، وعدم التفريق بين ألوانهم، وعدم القبول بحدود تفصل بينهم وتميزهم أو تعاديهم عليها، وذلك كله كما جاء في الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
  
لذا فإن ولي الأمر هو الذي يقوم على أحكام الإسلام، وتطبيقها كاملة غير ناقصة ولا محرفة، غير موالياً لأحد من الكافرين، وغير ناهباً لثروات الأمة، ولا مبدداً لها، وغير معطلٍ لأي حكم من أحكام الإسلام، ويكون مُبَايَعاً بيعة حرة من المسلمين، وليست بيعة تدليس أو إيهام وخداع، أو بيعة جبرية قهرية، ويكون مُبايَعاً بيعة لتطبيق أحكام الإسلام، وليست بيعة لمُلك أو لجمهورية أو ديمقراطية .

فليس ولي الأمر كل من أعتلى كرسي الحكم وارثاً إياه، أو مغتصباً إياه بسلطان من موالي أو بسلطان أجنبي، أو على حساب دماء ملايين من المسلمين وأعراضهم.

فالآية الكريمة في سورة النساء حيث قال رب الخلق أجمعين فيها: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر"، ولم يقل الله سبحانه وتعالى فيها: أطيعوا أولي الأمر منكم والله والرسول، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى أولي الأمر منكم أو أحد من الخلق!!!، فلم تُجعل طاعة الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم مهمّشة بعد طاعة أحد خلقه.

وما هو متّبع اليوم في المدارس والجامعات كافة، وفي كل خطب المساجد، وفي كل أحاديث علماء السوء، هو التدليس على المسلمين، وتثبيت القناعة للدارسين بأن الحاكم الموجود الآن على كرسي الحكم، ملكاً كان أو رئيساً أو أميراً، إنما هو وليّ الأمر الذي أشار الله بإتباعه وطاعته، وعدم عصيانه وعدم الخروج عليه بشكل مطلق، حتى لو كان مطبقاً على الناس أحكاماً غير أحكام الإسلام، وحتى لو فجَرَ وَوَالى غير المسلمين، وحتى لو أعان اليهود في احتلال بيت المقدس وفلسطين أو ناصرهم .

ولذلك أصبح المسلمون رجالهم ونساؤهم، شيوخهم وشبابهم وأطفالهم يحملون مفهوماً مُضَللاً عن ولي الأمر وطاعة ولي الأمر، فأصبحوا يتبعون ويخضعون لغير وليّ الأمر الذي فرضه الله عليهم، ظناً منهم وجهلاً أو تجاهلاً أنهم يتبعون ويطيعون ولي الأمر، فيتبعون أحكام الكفر والضلال ويعينون عليها، ويعملون على ظلم أنفسهم والناس أجمعين، ويهيئون لأنفسهم طريقاً إلى النار، ومصيراً أسوداً في الدنيا والآخرة .

ولذلك لا عجب أن يعبث بالمسلمين أعداؤهم، ولا عجب أنهم يُهانون، ولا عجب أنهم يُستعبدون، وتُحتل بلدانهم وتُدنّس أراضيهم ومقدساتهم، وتُنتهك دماؤهم وأموالهم وأعراضهم، وهم لا يحركون ساكناً، والسبب في ذلك أنهم وجهوا عبادتهم لغير الله، ممن يحكمهم بغير أحكام الله من الشياطين وأعوان الشياطين، وهم يظنون أنهم أولي الأمر، مخدّرين بأداة التخدير الخبيثة: ولي الأمر وطاعة ولي الأمر المحرفة مفهومها عما جاء في شرع الإسلام.

قال الله سبحانه وتعالى في سورة النساء 115: 
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيراً.


هناك 15 تعليقًا:

  1. د/ أشرف وهبة31 مايو 2009 في 8:29 م

    سيادة الأخ الكريم د/ محمد التركي
    وصلني في صندوق البريد بعض حلقات سلسلة المعرفة فجزاك الله خيرا على مجهودك واجتهادك وجعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه,,, وبعد
    لا يخفى على مثلك أننا في زمن كثرت فيه الفتن واختلت فيه الموازين واضطربت فيه القلوب واختلط الحابل بالنابل واحتار فيه المسلمون بين العلماء ومدعي العلم وبين الفقهاء والمتفيقهين وبين الحكماء والجهلاء وبين الظالم والمظلوم وحتى بين الحلال والحرام. لقد ظهر الفساد في البر والبحر كما حدثنا القرآن, والقابض على دينه كالقابض على جمرة,, وضاقت علينا الأرض بما رحبت. انها النهاية الحتمية التي لا يعلم مداها الا الله.

    أحببت أن أبدأ مداخلتي معك, ان سمحت لي, بهذه المقدمة لكي نتذكر معا الحقبة الزمنية التي نعيش فيها ,وما أحسبك بغافل عما يعنيه الزمان في مقتضيات الأمور ومجريات الأحداث. وعسى أن يتسع صدرك لما أريد أن أعقب عليه وأن تساعدني في الوصول للحقيقة الغائبة عن جل المسلمين:

    أولا: ان ولاية الأمر لا تعني بالضرورة الرئيس أو الملك : فكل من تولى أمر جماعة من المسلمين صار وليا للأمر: فالأب ولي أمر أسرته, والأم ولية أمر أبنائها, والمدرس ولي أمر تلاميذه, والمدير ولي أمر كل من يقع تحت سلطته, والوزير ولي أمر كل من يقع تحت سلطته ونفوذه, وكذلك الرئيس والملك والسلطان والخليفة: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وبهذا الترتيب فقط تكون ولاية الأمر قابلة للتطبيق العملي من حيث انصلاح حال الأمة, ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفيء الأمة الى ربها الا لو اجتمعت عناصر الولاية على شرع الله كل حسب مسئوليته وقدرته, أما أن يلقى باللوم فقط على فرد أو شرذمة من الناس مكنهم الله من الحكم, بأنهم سبب تراجع الأمة والمصائب التي تتوالى عليها, فلا أظن أنه من العدل ولا أحسبه الطريق للاصلاح

    ثانيا: أنك في عرضك للقضية ّكرست نفس المعنى السابق بشكل تلقائي: فمن الذي يزين للناس من العامة القول والعمل: انهم من المدرسين وأساتذة الجامعات وأئمة المساجد وأبواق الاعلام الفاسدة, فهل هؤلاء هم الحاكم؟ وهل هم الحكومة؟ بالطبع لا هؤلاء منا ونحن منهم, ولا أظن هناك من يضرب على أيديهم لينافقوا الحاكم ويدلسوا الحقائق. وان كان هناك مايجبرهم على ذلك فبامكانهم الاختيار والامتناع عن فعل ما يغضب الله, وهذا حق شرعي وأصيل في عدم طاعة الحاكم فيما يغضب الله, وكثير من الأفاضل يختار السلامة في الآخرة عليها في الدنيا.

    ثالثا: ان الحكم بيد الله بنص القرآن: يؤتيه من يشاء ولا يمكن بأي حال من الأحوال لبشر أن يغتصب حكما الا اذا أراد الله له ذلك لحكمة الهية بالغة: وكم من انقلابات وثورات قامت ونجحت, وكم منها فشل؟ والكثير من الثورات الفاشلة قامت على يد أناس يفترض فيهم الصلاح وحجة الحق معهم؟ فلماذا فشلت؟ لأن الله هكذا أراد. وأقرب الأمثلة: ثورة الشعب في يناير على السادات, ثورة 1919, ثورة عرابي, الثورة العربية الكبرى, ثورة عبد الله بن الزبير على يزيد بن معاوية: لفسقه وشربه الخمر, والأمثلة كثيرة,,,, فلماذا نجحت ثورات وفشلت أخرى مع أن الظاهر من الأمور أن الحق كان مع الثوار الذين خرجوا على الحاكم.؟

    ردحذف
  2. د/ أشرف وهبة31 مايو 2009 في 8:30 م

    رابعا: أن هناك ما يمكن أن يسمى بروتوكول أو كود شرعي ذكر كثيرا في الكتاب والسنة لكيفية التصرف مع الحاكم الذي يفقد اتزانه الاسلامي وتتعرض حاكميته للمساءلة والنقد: فهؤلاء يجب على علماء الأمة والمؤمنين أن ينصحوا بكلمة الحق ويردوهم عن غيهم بالحسنى: وهنا كان من الأولى أن يكون لدينا مجلس شعب أو أمة أو شورى أو المجالس المحلية, بها رجال لا تأخذهم في الله لومة لائم: هؤلاء ليسوا حكام ودورهم الرقابي يستلزم النقد والنصح والارشاد, فهل يؤدي هؤلاء الأمانة؟ ثم هناك الزمرة التي تحيط بالحاكم وعليها نفس الدور السابق فهل يقومون به؟ وهناك الاعلام بجميع أنواعه: فهل يقوم الاعلام بدوره الحقيقي؟ أما اذا فقدت كل هذه الوسائل مصداقيتها, كما هو الحال الآن, فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق: لا يستطيع بشر أن يجبر أحدا على معصية الله:
    لا أحد يجبر الموظف أن يسرق أو يختلس أو يرتشي أو يتجبر على خلق الله,
    لا أحد يجبر الشباب أن يعملوا في أماكن اللهو والسياحة وبيع الخمور وتداولها وصالات القمار وفتح الفنادق لليهود وأعداء الدين,
    لا أحد يجبر المدرس وأستاذ الجامعة على التدليس والغش واستنزاف الطلبة ماديا
    لا أحد يجبر الضابط الذي يخرج مع عسكره من الأمن المركزي ليوسعوا الناس ضربا وتنكيلا واهانة في المظاهرات: هل بيده أن يمتنع عن فعله أم لا؟
    الضابط على حدود مصر مع غزة: هل كان بامكانه أن يأمر عسكره بفتح البوابات أمام أهل غزة من الفارين من جحيم اليهود المجرمين أم لا؟
    الوزير الذي لا يوافق على سياسات الحاكم هل بامكانه الاستقالة أم لا؟
    لا أحد يجبر التجار على استنزاف الناس واحتكار السلع ورفع الأسعار والتلاعب بأقوات الناس
    لا أحد يجبر الأطباء على المتاجرة بلحم الناس الحي والتنصل من أبسط مبادئ الانسانية في التعامل مع الفقراء من المرضى
    لا أحد يجبر العالم أن يفصل الفتاوى لتوافق هوى الحاكم.
    لا أحد يجبر القاضي والمحامي ووكيل النيابة أن يستند لغير شرع الله

    فهل الحاكم هو المسؤول عن كل هذا الظلم والفحش والغي والفجور؟ أم أن الناس لهم اليد الطولى في كل هذا؟ وهل اذا كان الحاكم مسؤولا عن كل هذا, (افتراضا أو من الناحية النظرية),أما يستطيع المحكومون تصحيح الأمور ووضعها في نصابها الشرعي الصحيح؟ على الأقل بالامتناع عن تنفيذ أوامر الحاكم كل في مجال عمله؟ بلى والله يستطيعون

    واذا كان الأمر غير ذلك فلم يعاقب الله قوم فرعون مع أنه هو الظالم وهو الذي ادعى الألوهية؟ هم أعانوه على غيه ونفذوا رغباته وكانوا له عونا على الظلم والضلال فاستحقوا العذاب: كما ورد في سورة هود:

    (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ)
    وهنا يجول بخاطري المثل الشعبي المصري: قال يافرعون ايش فرعنك: قال مالقيتش اللي يردني.

    ردحذف
  3. د/ أشرف وهبة31 مايو 2009 في 8:31 م

    خامسا: أن من سنة الله في الخلق كما ورد في الحديث الشريف أن يعاقب الله من حاد عن طريقه بعقوبات في الدنيا والآخرة: ومنها: الحاكم الظالم. ونحن أحببنا الدنيا وكرهنا الموت فسلط الله علينا الفقر والغلاء وموت الفجأة والحاكم الظالم: بنص حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: أفلا ننظر في سبب ما ابتلينا به؟ أليس من الأولى أن نصلح من أنفسنا وننصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم قبل أن نفكر في أمر الحاكم أنخلعه أم نبقي عليه وننصح له؟

    سادسا: أنني لم أجد نصا واحدا في الكتاب أو السنة يبيح خلع الحاكم أو الخروج عليه بالقوة حتى وان كان فاسقا, بل ان النصوص أجمعت على النصح وعدم الطاعة فيما يخالف أمر الله ورسوله, ولا ننسى خطبة الصديق الجامعة وقت مبايعته خليفة لرسول الله, والتي أنهاها بنداء للأمة من على منبر سيد الأمة ورسولها صلى الله عليه وسلم:( فان أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني)
    سابعا: ان الأخطار والبلايا تحوم حولنا من كل صوب ومفازة, والغرب يتحين لنا الفرصة لكي يهجم علينا هجمته التي يأتي بها على نهايتنا كأمة اسلامية: فهل من الحكمة والفطنة الآن أن تهتز العروش وتثار الفتن والنعرات؟ هل يمكن لنا أن نحتوي الفتن التي ستخرج علينا بأيدينا لا بأيدي أعداءنا؟ الكل سيتكالب على الحكم, وستثور النعرات الطائفية في بلاد الاسلام بين سنة وشيعة واخوان وجماعة وطالبان وهاشميين ووهابيين وغيرهم عشرات من الجماعات والفئات التي مافتئت تنادي بأحقيتها في الحكم وأنها ستنفذ دستور الله في الأرض. من يمكن أن يتحمل نتيجة ماسيحدث؟ وكيف ستكون النتيجة الحتمية لهذا الصراع؟ انها النهاية التي أنبأنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم فسيكون قتل المسلمين وتشريدهم بأيدي بعضهم البعض وليس بيد غيرهم, فهل نتعجل النهاية أم ماذا؟.

    الكلام في هذا الموضوع لا ينتهي والخوض فيه كالخوض في مفازة لا يعلم نهايتها الا الله, وأحسب أن السكوت عنه أفضل, ولكني أحببت أن أتحدث معك لما قد يستتبعه ذلك من فائدة لنا جميعا, وأعتذر ان كنت قد جاوزت حدودي أو أطلت عليك.
    مرفق ملف به الآيات والأحاديث التي استندت اليها في مداخلتي
    والله ولي التوفيق وهو يهدي السبيل

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ردحذف
  4. أخي الأستاذ الكريم الدكتور أشرف وهبة المحترم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أبدأ بالشكر على لطف حديثك وتفاعلك، وعلى هذه الرسالة التي تحمل كل التساؤلات التي تجول بخاطر الناس، وتلبّست عليهم حتى لم يعودوا يعرفوا هويتهم وأين هم من هذا كله، وأين مكانهم من هذه الحقبة من الزمان، وأين واجباتهم وماهيتها، ولذلك فقد وضعتُ سلسلة المعرفة هذه لتكشف كل هذه الجوانب، وتبين كل الجوانب التي قمت حضرتك بطرح أسئلة كثيرة بشأنها، وهي سلسلة طويلة، وقد جعلتها في حلقات، لأنها تتطلب لربما شيئاً من التفرغ للإطلاع عليها، في وقت صَعُب على الناس مطالعة مثل هذه الأمور، إضافة إلى ما يحتاجه هذا الفكر من تمعن ونظر وتفكر، فأعطيت القاريء أسبوعا لكل حلقة وجعلت كل حلقة مقتضبة وسهلة الألفاظ بقدر المستطاع، وإلا فإن كل موضوع أطرحه في حاجة إلى كتاب كامل لإيفاء حقه، وهذا غير ممكن لعامة الناس، والقضية ليست ثقافية بقدر ما هي دعوية .
    لذلك فإن الحلقات السابقة للحلقة السادسة مهمة كأهمية هذه الحلقة والحلقات التي تليها، لفهم كثير من القواعد في أصل العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي، وما يتعلق بحكم الإسلام والحكامية وكيفية التعامل مع الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله .
    لذلك قبل أن أطلب منك أن تحلم قليلاً وتصبر لوصول الحلقات القادمة سأتعرض سريعاً لبعض الملاحظات التي تفضلت بها :
    للفتنة في الإسلام تعريف محدد، فالفتنة التي يفهمها الناس اليوم هي خلاف الفتنة التي أمرنا الشرع بإجتنابها، فقد جعل الله كل أمر يخالف أمره وتوجيهه هو مُحدثٌ للفتنة كما بين الله سبحانه وتعالى لنا في كتابة العزيز ورسوله محمد  ولذلك إنقلبت الموازين كلها على رؤوس المسلمين وظهرت الصور التي بدأت بها خطابك لي .
    حيث قال الله في سورة التوبة : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني، ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين.
    وما سلسلة المعرفة إلا لمحاولتنا تبيان أصل الفتن الواقعة على المسلمين وما هي أسبابها وما علاقتنا نحن بها، ومن هم أعداؤنا الذين يعملون في جسم الأمة بالفتن والهدم والتخريب، وما هو واجبنا تجاه ذلك كمسلمين، بل وهل نحن مسلمون كما أراد الله ورسوله لنا ؟ وهل الإسلام الذي نحمله هو الإسلام الذي أرسله الله للناس على لسان سيدنا محمد  .

    ردحذف
  5. أما من هم ولاة الأمر الشرعيين فهم الذين يتولون شؤون الناس بأمر من الله وحكمه، أيا ً كان هؤلاء الولاة، إما الحاكم صاحب الولاية العامة، أو الوالي، أو رب البيت البسيط، أو كل من تكلف بولاية أمر لشأن من شؤون المسلمين، فهو ولي أمر كل أمر هو تولى أمره بأوامر الله واجتناب نواهيه، وليس بما يوافق هواه أو هوى الناس، وإلا كان التابع والمتبوع في ضلال، فإن قام ولي أمر بخلاف ما أمره الله ورسوله، فقد فقدَ الشرعية لما تولاه من أمور، لأنه بذلك يُحدث الفتنة والفساد في الأرض وفي الناس، وتحرم طاعته، وتجب نصحيته بشكل فوري دون اتباعه، فإن أبى فقد وجب نزع ولاية أمره حتى يفيء إلى أمر الله . فأنت ولي أمر أبنائك وزوجك، فإن أمرتهم بمعصية وجب عليهم عصيانك، وأنت في حالة طلب فعل المعصية منهم لست ولي أمر لهم بما أمّرك الله عليهم، فولاية الأمر تكليف من الله لعباده، كل حسب موقعه، فكانت لهم الولاية، وإن لم يعطهم إياها الله سبحانه وتعالى فليسوا هم ولاة أمر، فولاية الأمر منظومة أمر بها الله سبحانه وتعالى، وتبقى خاضعة لأمر الله ونظامه، فإن إختلفت لم تصبح شرعية وأصبحت تسير في سبيل الشر والفساد والفسوق .
    أما ولي الأمر صاحب الولاية العامة (الخليفة أو أمير المؤمنين) فله واقع مخالف تماماً لواقع حكام اليوم من الملوك والرؤساء وغيرهم، فهؤلاء ليسو هم الحكام الشرعيين، فقد قام حكمهم اصلاً منذ لحظتهم الأولى على الحكم بغير ما أنزل الله، وأظنه لا يخفى عليك تنصيبهم وإدارتهم من القوى العظمى منذ أن نجحت بريطانيا في إسقاط نظام الخلافة في إسلامبول (دار الخلافة) على يد أتاتورك لعنه الله 1924م، بعد أن نخر السوس عظمها من الداخل والخارج (ويطول الحديث في هذا الشأن)، لذلك فإن ولايتهم أصلاً ولاية غير شرعية وإنتخابهم (لو كان قد انتخبهم أحد ؟) إنتخاباً غير شرعي، والشيء الذي انتخبوا من أجله ليس شرعياً، أي ليس للحكم بما أنزل الله.
    هذا هو واقع الحكام اليوم، وهذا الواقع لا ينكره إلا متعمد الرفض بحق أو بباطل، ولذلك فإن حكام العرب والمسلمين اليوم ليسوا هم الحكام الشرعيين الذين يجب أن نطبق في حقهم أحكام النصيحة في الإسلام، أو أحكام إنكار المنكر الإسلامية، ولا حتى أحكام الخروج على الحاكم الشرعي بمقاتلته ورفع السيف في وجهه (أي لا نخرج عليهم لأن ذلك ليس هو الخروج الشرعي المطلوب شرعاً، ولا نقاتلهم لأن هذا ليس هو موضع القتال الذي أمر الله به شرعاً) أو ما شابه ذلك، لأن هذه الأحكام لا تطبق أصلاً إلا في حق الحاكم الشرعي (الخليفة)، فنظام الخلافة أصلاً يضم بين طياته أجهزة تقوم على مراقبة أعمال الخليفة وتقوم على محاسبته، بل ومنها أجهزة تقوم على خلعه، ومجال نزع البيعة فيه والخروج عليه ضيق جدا ونادر، ولم يحصل إلا في فترات مظلمة من مراحل الدولة الإسلامية أثار بعضهم فيها الفتن والخروج على الخليفة، الذي خالف حكما أو شبه أحكام لنظام الإسلام .
    ونتساءل إذن ما هي الكيفية اليوم التي يجب أن يُتعامل فيها مع حكام اليوم من المنطلق الشرعي؟
     يجب معرفة واقع حكام اليوم إبتداء
     العلم بالمطالب الشرعية فيما يتعلق بالحكم، وكيفية التعامل معه كأفراد وكمؤسسات وكجماعات
     الوعي بالواقع السياسي الدولي والعالمي الحالي وعيا سياسيا وجيوسياسيا من منطلق وجهة النظر الإسلامية

    ردحذف
  6.  العمل على إيجاد الحكم بالإسلام من جديد كما كان وضع الإسلام في مكة قبل الهجرة، فقد كان هناك إسلام ومسلمين، ولكن لم يكن هناك وجود لدولة تقوم بالحكم بهذا الإسلام، حتى أوجدها سيدنا وحبيبنا الرسول محمد  في المدينة المنورة .
     يجب العمل لإعادة الحكم بما أنزل الله في صورة دولة خلافة شرعية، وذلك لا يمكن إلا بالعمل الجماعي الحزبي، بالكيفية التي فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث لم يحارب المشركين وهو في مكة، وقد كان وصحابته الكرام (في المصطلح السياسي اليوم) حزباً سياسياً وليس قتالياً أو عسكرياً أو تمردياً، مع حملهم للسلاح وقدرتهم على القتال كأفراد، ولكن عندما نصر الأوس والخزرج الرسول  نصرة حرب وقتال وحماية، أستطاع إقامة الدولة في المدينة المنورة، ثم بدأ بمقاتلة أعداء الإسلام بهدف نشر الإسلام وليس لأهداف الدنيا، وحال الأمة اليوم كيوم حالها عند بدء الدعوة في مكة، لا فرق بينهما، هذا الواقع لا يمكن إهماله أو تجاهله أو غض الطرف عنه .
    وهنا لابد أن أشير إلى أخطاء الأحزاب الإسلامية التي قامت واعتمدت سبيل القتال في بناء جسمها ونشر دعوتها (عفا الله عنهم)، حيث قد أغفلوا المرحلة التي تمر بها بلاد المسلمين اليوم (مسلمين بلا إسلام)، وكانوا قد اعتمدوا أصلا فكرة أن الحاكم القائم حاكم شرعي، وهم يخرجون عليه، لأنه أظهر الكفر البواح أو الصراح، وكان لابد لهم بالتالي إلى قتال حزبه وعسكره وملَئه وقضاته ووزرائه وكل من أعانهم في الحكم وحفظ الأمن، وظهرت أفكار كثيرة تكفيرية وتفسيقية وغيرها تسببت في صراعات شوهت العمل الإسلامي وأدخلت هذه الجماعات في متاهات مع الشعوب وفي إحراج مع ما تبنته من منهج .
    وهناك أخي عظيم فرقٍ بين ما يسمى الإصلاح وبين ما يسمى التغيير، وهما يختلفان كلية عن بعضهما، ويترتب على كل واحد منهما أفعال وأفعال ومواقف كثيرة، ونتائج إما ناهضة وإما مُهلكة للجماعة والناس .
    فالإصلاح يكون لشيء أصله صحيح، وبفرعه خلل قابل للإصلاح، أما التغيير فهو لشيء أصله باطل وفرعه بالتالي باطل مثله، وهو غير قابل للإصلاح، بل وغير قابل إلا للتغيير أصلا وفرعاً، فلا يصلح أن نستخدم هذا موضع هذا ولا هذا موضع ذاك .
    أما الولاة والقضاة والوزراء ودكاترة الجامعات وعلماء السوء وأعوان السلطان من المفكرين وغيرهم وغيرهم من العمال، وقولك أن الحاكم لم يجبر أحدهم على أن يحكم أو يشارك في الحكم بغير ما أنزل الله، اقول أن الحاكم الذي تتحدث عنه هو ليس الحاكم الذي قد إختارته الأمة وإرتضته، ببيعة شرعية أو بإنتخاب ديمقراطي أو بأي وسيلة، فنستطيع القول أن الأمة وهي على أمرها إختارت أحدهم ممن ترتضيه، فبدلاً من أن يخضع كل الشعب لإرادة رجل واحد، يخضع هذا الرجل لإرادة كل الشعب، بعد أن يقدموا له السمع والطاعة على أمرهم، وليس على أمره أو أمر من نصبوه عليهم، كما هو حال حكام بلاد المسلمين اليوم، لم يصلوا إلى الحكم، وهم ما زالوا باقين فيه إلا بسلطان من الدول الإستعمارية المختلفة، وقد جاء هذا الحاكم أو ذاك وكان لابد من صناعة رجال له على دينه يحيطون به ، ويعبّدون كل إنسان في التسلسل الهرمي في الدولة لإرادة الحاكم ودينه وهواه، فمن رضي رضي، ومن أبى فغيره كثير،

    ردحذف
  7. وهكذا يصبح الحاكم وكل من حوله من رأس الهرم إلى أسفله يسيرون سير رجل واحد، وعندهم الإستعداد للدفاع عن الحاكم دفاعاً مستميتاً لأن وجوده يحمي مصالحهم ويحافظ عليها وخاصة عندما تتراكم هذه المصالح وتتنوع وتتشابك.
    لذلك فإن كل من يسير في درب الحاكم راضيا به أو مُعينا له على حكمه وعلى الأنظمة التي يطبقها على الناس أو مشاركاً أو منظّراً أو غيره، أو ممن هو عالم بفعله وساكت، أو متكتم عليه، فكل واحد من هؤلاء يبوء بإثمه ويتحمل من الوزر ما يستحقه، ولا نبريء هذا ولا ذاك، فإذا جاء أمر الله وكان للأمة سلطانها، وانتخبت حاكمها، فسيكون سلطانهم على حاكمهم الذي اختاروه بإرادتهم، لأنه سيكون من جنسهم(ديناً وولاء)، وسيحافظون عليه، وسيتسابقون على السمع والطاعة له، ويأتمرون بأمره، ويحبونه ويصلحون من شأنه، وينصح لهم وينصحون له .
    لذا يا أخي فإننا لا ندعو الخروج على الحاكم، لأنه ليس هو الحاكم الشرعي أصلاً، بل ندعو ونعمل على تغيير الواقع وإيجاد الحاكم الأصلي، لأن القضية قضية واقع، وليست قضية فرد حاكم، ولأن واقعاً كواقعنا اليوم لم يمر على الأمة الإسلامية من قبل، لذلك فإن علماء المسلمين السابقين لم يتعرضوا لقضية كقضية المسلمين اليوم، لأنه لم يخطر في بالهم أن حُكم الإسلام سيسقط بالكامل يوماً ما، وإنما نجد بعض العلماء الأفذاذ الحاضرين رحمهم الله أمثال سيد قطب والشيخ تقي الدين النبهاني، قاموا بجهد عظيم وبينوا واقع الأمة اليوم، إستناداً إلى أصول العقيدة والشريعة الإسلامية وإلى أصول الفقه .
    أما حديثك يا أخي عن واقع المسلمين اليوم وكأنك تريد القول أننا أمة قد إنتهت صلاحيتها، وآن لنا أن ندفن أنفسنا في التاريخ أو في التراب، فهذا يعني أن كلام الله جل وعلا غير صحيح، وأن القرآن الذي بين أيدينا ليس من عند الله، وأن رسول الله  وكلامه كان غرراً بنا، لأنه لو كان القرآن من عند الله لصلح العمل به في الزمان والمكان، وإذن لكانت أحكام الإسلام لم تكن لتصلح إلا لزمان الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذن لأمرنا الرسول أن نترك هذا القرآن وسنته بعد كذا وكذا من السنين، لأنه لن يعد صالحاً، وإذن لتوجب علينا الآن في اللحظة أن نتولى أمريكا أو أوربا ونبحث لنا عن آلهة أخرى غير الله، ونعطي البيعة لرئيس أمريكا أو غيره، فإسلامنا قد إنتهت صلاحيته، وعلماء السوء قد أفهمونا أن علامات يوم القيامة قد ظهرت وبالتالي آن لنا الإستسلام، وجاز لنا ضمنا أن ننبذ أحكام التكليف في الإسلام لأن يكون الحكم لله ولرسوله وننبذ العمل من أجله.
    أذكر نفسي وأذكرك أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم في سورة النور 55 : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما إستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فؤلئك هم الفاسقون
    وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم :
    " تكون النبوة فيكم ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها, ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون فيكم ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها, ثم تكون ملكا عضوضا فيكون ما شاء الله ان يكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها, ثم تكون ملكا جبرية فتكون فيكم ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها, ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ,ثم سكت." رواه احمد في مسند

    ردحذف
  8. أما عن موضوع أن الله يؤتي الحكم لمن يشاء دون إرادة من عباده ورغماً عنهم، فهذا يعني أننا في هذه مجبرين، ويكون هذا الأمر إذن في دائرة القضاء، وليس في الدائرة التي يختار فيها العبد بين الأفعال التي يحاسبه عليها، وإذن لكان السلطان ينزل من السماء نزولاً، وإذن لقلنا أن الرسول  قد أجهد نفسه سدى في إقامة الدولة في المدينة، ولو إنتظر لنزلت الملائكة وسلمته الحكم في أي مدينة يشاء بدون تعب، وإذن لما أمرنا الله بالفتوحات الإسلامية وإزالة حكام الدول الكافرة لأن الله هو الذي آتاهم الملك فكيف ننزعه نحن منهم؟
    فهذا يا أخي كلام غير صحيح وخلاف سنة الكون التي وضعها الله في الأرض، وليس تفسير الآيات الكريمة المتعلقة بهذا الأمر هو كما فهمتَه، فقد أسعى أنا في إقامة حكم الله في الأرض وليس عندي من الكفاءة أو الخطة أو القوة أو العلم أو الشجاعة أو الإقدام أو المال والرجال ما يكفي، وقد يسعى غيري في سبيل إقامة حكم كفر إشتراكي أو شيوعي أو ليبرالي أو ديمقراطي أو أي شيء آخر وضعي، وعنده من الكفاءة ما يكفي، والشيء الكثير من القوة والمقدرات التي ذكرت، فهل أصَلُ أنا صاحب الدعوة الطاهرة والمشرفة إلى الحكم وأنجح في إقامته وقيادته وإدارته؟ أم الذي سينجح هو صاحب الكفاءة حتى ولو كانت كفراً؟ بالتأكيد صاحب الكفاءة هو من سينجح، لأن الله جعل ذلك سنةً في الكون، ومن هنا تنطلق إرادة الله في إتيان الحكم، وتتم إرادته عندما يجعل الله سنة الكون تسير كما أراد، أو يقضي أشياءً لا نعلمها من توفيق أو عدم توفيق العاملين لأمرهم، ولكن في إطار سنة الكون كما فرضها الله في الأرض والسماء وأرادها، فلا يحصل ولا يتم في ملكه إلا ما يريد سبحانه وتعالى، أما تغيير خصائص الأشياء أو أعمال المعجزات مع الأنبياء فقد جعلها الله آيات سخرها للأنبياء حتى تعينهم على رسالتهم .
    إن المسائل التي طرحتها كثيرة، وتحتاج إلى تفصيل، ولذلك فقد قمت بتأليف سلسلة المعرفة بشكل مدروس ومنظم لتنقل إلى القاريء أو طالب العلم الصورة الحقيقية للإسلام وعقيدة الإسلام وأصولاً أخرى متعلقة بصلب العقيدة الإسلامية وما يتعلق بها من أفكار، وما تنتجه العقيدة وكتاب الله وسنة نبيه من تشريع .
    أسأل الله الحليم الكريم أن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما ينفعنا ويزيدنا علماً، ويرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه سميع مجيب الدعاء .

    ردحذف
  9. د/ أشرف وهبة31 مايو 2009 في 8:36 م

    الأخ الفاضل د/ محمد التركي المحترم
    أشكرك على سعة صدرك واهتمامك, ويشرفني أن أحظى بجزء من وقتك للرد على مداخلتي السابقة. وأحببت أن أوضح لسيادتك بعض الأمور التي قد وردت في رسالتك إلي:
    أولا: أنا أعلم تماما التعريف الشرعي واللغوي لولي الأمر في الإسلام: ولكن قضيتنا ليست قضية مصطلحات علمية على الإطلاق, وما عنيته عندما قلت أن كلنا مسئولون وكلنا ولاة أمور بأن أوضح الصورة المشوشة لدى بعض الناس عن موضوع المسئولية الأخلاقية والمسئولية أمام الله: ولي الأمر الصالح وحده لا يمكنه الإصلاح إلا لو وجد التربة الخصبة الصالحة التي يمكنها أن تستجيب لأمره المستند في مرجعيته لأوامر الله ونواهيه, ولكن الأمة الصالحة يمكنها إصلاح ولي الأمر واختيار ولي الأمر الصالح الذي تنطبق عليه شروط الولاية الشرعية. وولي الأمر الفاسد لا يستطيع إفساد الأمة, إلا إذا كانت أمة كقطيع من الغنم: لا يعقلون ولا يسمعون ولا يبصرون: وحينئذ يستحقون أن يسلط الله عليهم الحاكم الفاسد بنص حديث رسول الله الذي سبق وسردته لك. وبنص القرآن في قصة فرعون وقومه.

    ثانيا:أوافقك الرأي أن حكام اليوم لا تنطبق عليهم شروط الفقه المكتوب ( نظريا) في حاكمية ولي الأمر واختيار الأمة له, وأن أغلبهم قد اغتصب الحكم إغتصابا, ولكن: فلنرجع إلى تاريخنا: منذ سنة 41 هجرية في ربيع الآخرة إستقر الملك لمعاوية بن أبي سفيان بعد خروجه على علي ثم الحسن بن علي ومنذ هذا التاريخ وحتى الآن لم ينتخب المسلمون حاكما واحدا بل كانت البيعة تغتصب اغتصابا لولي العهد الذي ينحدر من سلالة الحاكم , وأصبحت منذ ذلك التاريخ طريق الحكم مقصورة على أسرة واحدة بأصولها وفروعها. ولا إعتراض عندي في هذا لأنني مؤمن أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء, وطالما أن الحاكم يطبق شرع الله فلا بأس.(كما أنني عندي تحفظ شديد على موضوع الديمقراطية لا مجال لذكره هنا).وحتى البيعة للخلفاء كان يقوم بها وجهاء القوم يليهم العامة بشكل تلقائي دون أي تحفظات.ولما إتسعت الدولة في عهد بني أمية أصبح دور العامة في البيعة التأمين خلف الإمام يوم الجمعة في الدعوة للخليفة, دون أي رأي للعامة في إختيار الحاكم. ولو تأملت ما يحدث الآن لوجدت الأمر نفسه يتكرر مع الفارق الشاسع في الوجاهة بين هؤلاء وهؤلاء, وبين الحاكم في كلا الحالتين, وبين رضا العامة في كلتا الحالتين: فالإنتخابات بالطبع يشوبها التزوير والكذب, فهي بيعة شكلية, وسكوت الناس معناه الرضا والاستسلام تماما كما سكت الناس في عهد الأمويين والعباسيين والفاطميين وغيرهم.

    أما موضوع الفتوحات الإسلامية فهذا خلط لموضوعين منفصلين تماما: فهناك فارق كبير بين حاكمية ولي الأمر حاكم الدولة الإسلامية وبين حاكم لدولة أخرى حتمت واجبات الدولة الوليدة المهددة ممن حولها قتالها ونشر الدعوة المحمدية والرسالة الإنسانية التي كلفنا الله بنشرها بين الأمم, فلم يكن الغرض من الفتوحات الإسلامية أبد الإطاحة بحكام الكفر , بل كان الغرض أكبر من ذلك بكثير.
    وقد أسعدني جدا ذكرك لنشأة الدولة الإسلامية على يد رسول الله وحزبه الذي بدأ في مكة ونما وترعرع في المدينة, ولما مكن الله لهم في الأرض أصبحوا دولة كبيرة مترامية

    ردحذف
  10. د/ أشرف وهبة31 مايو 2009 في 8:37 م

    , فالأصل كان التربية المحمدية لهؤلاء الكرام, على يد سيد الأكرمين. لم تقم هذه الدولة ولم يصبح لها شأن إلا بعد أن اكتملت أركان المجتمع الإسلامي وفق القواعد التي أرساها رسول الله, فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار أول درس تربوي في ترسيخ معنى المسؤولية لأبناء هذه الأمة الوليدة: فكل فرد منا مسؤول عن أخيه, هذه المسؤولية وما تبعها من ترسيخ لمبادئ وأخلاق الرسول الكريم في قلوب أصحابه هي التي مكنت لهم في الأرض: وكان من تبعاتها فرض الجهاد وفرض سيطرة هذه الأمة على الأرض بعد أن مكن الله لها مقومات القيادة. لم يكن وجود الرسول القائد وحده كافيا أبدا لكي يتمكن لنا النصر والقيادة: بدليل دروس معارك أحد, وحنين, والخندق: ولكن كان الفتح بعد أن وعت الأمة الدرس: كلنا مسئولون مع القائد عن هذه الأمة.
    أما ماذكرته عن إستحقاق الحكم لصاحب الكفاءة وليس لصاحب الحق تنفيذا لسنن الله في الكون: فهذا تأكيد لكلامي ورأيي السابق: وقد ذكرت نفس المثال في مداخلتي السابقة معك: وأقول لك: من ياسيدي الذي سخر لهذا الكافر الكفاءة والإمكانيات والجند والقبول لدى الناس ليتمكن من بسط نفوذه وسلطانه عليهم؟ هل يمكن لأحد مهما أوتي من ثقة بنفسه وعلم وفصاحة أن يحصل على الملك دون أن يكون الله هو الذي مكن له أسباب الكفاءة المطلوبة؟ لا والله,

    وماذا تقول في علي ومعاوية رضي الله عنهما؟ كليهما كانت لديه كل الإمكانات التي يتطلبها الحكم: بل وأزيد أن عليا كان الأولى حتى بمعايير الكفاءة من معاوية بكل الوجوه: كانت لديه الشرعية فهو الخليفة الشرعي الذي كانت له البيعة: ولديه الجند, والحذاقة, والإيمان, وقرابته من الرسول, ونسبه الشريف من أشرف بيوتات قريش من بني هاشم, وسبقه في الإسلام,وخبرته في إدارة الدولة لقربه من رسول الله وصاحبيه, وتقواه وورعه وفقهه لا يختلف عليها إثنان: وهو يتفوق على معاوية من كل وجوه الكفاءة: فماذا حدث؟
    لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ظهور معاوية على علي لكفاءة الأخير أبدا.

    وأرجو أن يتسع وقتك لترى المادة التي على هذا الرابط: ففيها مواجهة بين الشيخ محمد متولي الشعراوي إمام المفسرين يرحمه الله, وفي حضور العلامة محمد الغزالي يرحمه الله, وشيخ الأزهر في ذلك الوقت العلامة الشيخ جاد الحق يرحمه الله.أمام حسني مبارك وفيه ما يتفق وكلامي عن خضوع الحاكمية لأمر الله وإختياره


    http://www.youtube.com/watch?v=sLaMrJrNvPs

    ردحذف
  11. د/ أشرف وهبة31 مايو 2009 في 8:38 م

    ثالثا: أنني أبدا لم أفقد الأمل في نهوض هذه الأمة وقدرتها على ذلك, ولم يرد في كلامي أبدا مايفهم منه هذا المعنى!!, بل على العكس: فكل كلامي معناه أن الأمل في إصلاح الأمة , أما مسألة الإصلاح أو التغيير فأنا أدرك الفرق بالطبع, عودة للمصطلحات مرة أخرى , ولكني أرى أن الإصلاح هو بداية الحل ثم يأتي التغيير,تماما كما فعل رسول الله, لأن التغيير يقتضي عملا جراحيا قاسيا, لا أظن أن الوقت ولا الظروف الحالية قد تستوعبها, أعتقد أن من حاولوا التغيير في هذه الظروف قد تلقوا ضربات عنيفة وتسببوا في مشاكل لا حصر لها, بل وتراجع الكثير منهم عن إستراتيجيته, وألفوا كتبا في ذلك, وأعتقد أننا متفقون في هذه النقطة.
    القاعدة تحتاج للإصلاح, الناس تائهون ويحتاجون لإصلاح مفاهيمهم وأولوياتهم ومرجعياتهم, من قاعدة الهرم الإجتماعي وحتى قمته, وأظن أن مجهودات العلماء والمفكرين والمصلحين الدؤوب تتلاقى في هذا الإتجاه, إلا أنني أظن أن الطريق مازال طويلا وشاقا, لأن الهدم الذي حدث نتاج تراكمات مئات السنين, والبناء أصعب كثيرا من الهدم.

    رابعا :إن المسلمين في وقت هم فيه أحوج للإصلاح والتغيير وفق منهج مدروس واستراتيجية واضحة ملزمة لكل من يشارك فيها دون تفريط أو إفراط, هذه الحاجة تقتضي البدأ بها والإصرار عليها وحين تتظافرالجهود وتتحقق ثمار هذا المنهج في أفراد الأمة سيكون الوقت ملائما لتوحيد الأمة تحت راية واحدة بغض النظر عن نظام الحكم في هذا الوقت, أما أن نبدأ بالبحث عن خليفة الآن فأعتقد أنه غير مجد, لاعتبارات الواقع والتاريخ والجغرافيا السياسية وانتشار الفتن والفساد.
    أكثر الله من أمثالك ونفعنا بعلمك وجزاك الله خيرا

    ردحذف
  12. بارك الله فيك يا دكتور محمد وجزاك الله خيرا ونفع بعلمك.

    أرجو إعادة النظر في التعبير الافتتاحي فقد صدمني إذ يشير إلى أن فكرة ولي الأمر لها مصيبة ويدل على مكمنها.

    فكرة ولي الأمر هي فكرة شرعية ولا مصيبة بها ولا لها بل المصيبة تكون في تحريف مفهومها كما يدل موضوع مقالك الرصين هذا.

    كما أرجو أيضا إعادة الظر في التعبير الختامي الذي صدمني أيضا إذ يصف الحكم الشرعي الخاص بوليّ الأمر وطاعته بأداة التخدير الخبيثة وحاشاها وكل أحكام شرعنا الحنيف ولكن الخبث والتخدير يكون من ليّ أعناق النصوص والتدليس والفتوى الآثمة.

    بارك الله فيك وجزاك عن الأمة الإسلامية خير الجزاء.


    تقبل تحيات أخيك

    ردحذف
  13. د. محمد سعيد التركي21 ديسمبر 2011 في 11:21 م

    أخي الكريم محمد هلال
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكرك بداية على اهتمامك ولطيف حديثك
    أظن أنه لا يخفى على حضرتك أسلوب التشويق الذي يستخدمه القرآن الكريم، أو أسلوب لفت النظر الشديد إلى أمر ما، كما ورد في سورة الماعون: فويل للمصلين ،،، إلى أخر الآيات الكريمة، ونحن نتعلم من القرآن الكريم
    ولكني أعطيك الحق كاملاً فيما يتعلق بنهاية الحلقة في وجوب توضيح النص حتى لا يذهب اللفظ المجرد إلى غير ما كتب له، وسأعدّله إن شاء الله
    تحياتي وسلامي
    أخوك

    ردحذف
  14. هالة العزاوي16 سبتمبر 2013 في 1:46 م

    السلام عليكم
    وصلني المقال بالصدفة ومنذ الكلمه الاولى وجدتني اسير بين السطور وكاني وجدت واحة بعد طول عطش وانتظار ولعل كلمة صادمة هي الاهم في المقال لانها تقودك الى قراءة البقية من المقال ,بارك الله في الجهود ومزيدا من الصدمات لايقاظ الامه

    ردحذف
  15. السلام عليكم
    آخيرا وصلني ماكنت منذ عشرون عاما اصرخ به ولكن الجميع كان يطلب مني السكوت خوفا من اولي الامر ,الحقيقة كلام جميل منطقي واذا ما تم فهمه سنصل الى وضع على الكرسي من يستحق ان يكون اولي امر
    بارك الله بمثل هذه الجهود الطيبة ومزيد من المعرفة الحقيقية وانا من جهتي ساضع المقال على صفحتي في الفيس بوك وارسله لك من اضن انه سيستفيد منه

    ردحذف