قد يصاب المسلم وهو يؤمن بالله ورسوله والإسلام في وقت ما تحت تأثير التضليل من السلطان بالتيهان عن أمر عظيم في عقيدته، وكيفية اتباعه لما آمن به وعن منهج اتباعه، وهو لا يدري، أو قد يكون يدري ولكن سحر السعي وراء المصالح قد يغويه ويضله، فيأخذ المسلم بالانصياع وراء من يجد فيه ما ينفعه في تحقيق المنافع والمصالح، فيعطيه ولاءه وطاعته من دون الله ورسوله ومنهج الإسلام، بالرغم من تسليمه لدين الإسلام.
إن إعطاء الولاء لحاكم ما، أو نظام ما، أو لأمر ما، يقرر دائماً منهج حياة الإنسان ومصير الفرد في إطاره الضيق، ويقرر علاقته بالله وعلاقاته بنفسه وبغيره، ويرسم العادات والتقاليد والأعراف على مستوى المجتمعات والدول والأمم.
ما يفعله حكام اليوم في البلدان الإسلامية هو محاولة استراق أو انتزاع ولاء الناس، من ولائهم لله ورسوله وللدين الذي أنزل، إلى الولاء إلى ذاتهم وتوجيهه لخاصة أنفسهم، وللأنظمة التي يضعونها من عند غير الله، ليضمنوا اتباع الناس لهم، هذه المحاولات تأخذ أشكالاً وصوراً كثيرة، ومنهجاً واضحاً مدروساً بعناية فائقة، ويُنفّذ بدقة شديدة، من هذه المحاولات والأعمال نذكر التالي:
توجيه الولاء لشخص الحاكم : يتم توجيه ولاء الناس لشخص الحاكم بغسل عقول الناس بشخص الحاكم، وذلك بنشر صوره في كل مكان، وفرض تعليقها في كل دائرة حكومية ومكاتبها، وفي المدارس والجامعات، والعمل على نشرها في الشوارع والأماكن العامة، وتسمية المدن والشوارع والمدارس والجامعات والمرافق العامة والمنتزهات، وكذلك المشاريع الكبرى والصغرى، تسميتها باسمه شخصياً وبإسم أقربائه وزبانيته، ليلتصق هذا الاسم بعقول الناس، ويُوجب الحاكم افتتاح كل مناسبة شعبية عامة أو خاصة بذكر اسمه ومنصبه، وفي غير ذلك حتى يتخيل الناس أن لا وجود للحياة بدون هذا الرجل، وكذلك إيهام الناس أن لا خير ولا أمن لهم بدون هذا الحاكم أو ذاك، أو بدون عدله المطلق وسهره واهتمامه بمصالحهم، وإيهامهم أن كل فضل أو خير يحصل إنما يرجع فضله له شخصياً، حتى نزول المطر ونمو الزرع، وكأنه الإله الأعظم، وتستمر الوسائل والأساليب في خدمة تذكير الناس بأن الحاكم بحكم قدرته على الاستيلاء على الحكم، قد صنع تاريخ الأمة وأنقذها، بل كان ظهوره إيذاناً بالأمن والأمان والاستقرار والخير في البلاد كافة، بل هو راية الحرية والعز والشرف.
توجيه الولاء للدولة الحاكمة: تتواصل عمليات الإقناع المُقنن لعقول الناس بفكرة أن هذه الدولة هي أعظم دولة عرفها التاريخ، وأنها تسابق كل الأمم في التطور والرقي، أو أنها في طريقها لأن تكون أعظم دولة، وأن هذه أو تلك الدولة وشعبها، بحدودها التي حددتها الأمم المتحدة (أداة الاستعمار)، هي دولة أعرق الشعوب، وأكثرهم أصالة أو علماً أو صنعاً للحضارة، وبالتالي يتم تعزيز القومية عند هذه الدولة أو تلك من التي صنعتها الأمم المتحدة، فالمصريون نسبة إلى مصر، هم أرقى الشعوب علماً وثقافة وحضارة، والسعوديون نسبة إلى اسم حاكمهم، وهم أنسب الأقوام شرفاً، والعراقيون نسبة إلى دولة العراق بحدودها الاستعمارية، هم صناع الحضارات والعلم والعمارة، وما إلى آخر هذه الترّهات التي تعزز الانتماء للتسميات الباطلة المزعومة لكل الدول القائمة. يصب في هذا الإطار تعزيز مفهوم الوطنية لهذه الدول، وتعزيز الولاء لعَلَمِها، ولمساحة الأرض التي رُسمت لها، والحرب على كل من يتعدى حدودها.
توجيه الولاء لنظام الدولة الحاكمة: صنع الشخصية الموالية لغير الله من أكبر العقد، فالمسلم يصعب طيّه أو ليّه، لأنه في فطرته مُحبٌ لله ولرسوله، ولذلك تتواصل عمليات الالتفاف حوله والكذب عليه وخداعه، لتغيير ولائه بكل خبث ولؤم ومكر، ولذلك يسعى الحكام سعياً حثيثاً بإقناع الناس والشعوب المسلمة أن الأنظمة التي يطبقونها عليهم إنما هي نظام الإسلام، بل هي أكثر إسلامية من الخلفاء الراشدين أو غيرهم من الخلفاء، والتلبيس عليهم بالادعاء أن دستور الدولة هو الكتاب والسنة، وهو مصدر التشريع فيها، ولذلك يسعون للمحافظة على بعض الأنظمة الاجتماعية، وأحكام النساء مطبقة، كونها من الأحكام التي يحتاجها الناس في حياتهم الخاصة بشكل يومي، وكذلك نظام العقوبات، لإيهامهم أن الحكم إسلامياً. أما الأحكام الاقتصادية والسياسية والتعليمية، وفي نظام الحكم والإدارة والقضائية وغيرها، فأصلها وفرعها غير إسلامي ولا يمت للإسلام بصلة. إضافة إلى ما يُوهم الناس به من بناء المساجد والدعوة إلى الصلاة وغيرها من الشعائر التعبدية لإقناعهم أن دولتهم ونظامها إسلامياً، وما يجده الناس عند علماء السوء من فتاوى بوجوب الولاء لهذا النظام الحاكم أو ذاك.
بتحريف هذا الولاء، تكتمل صورة الخروج عن دين الإسلام وعبادة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والخروج عن الولاء لهما، وتكتمل شخصية الرجل المسلم بإسلام محرفٍ ومزوّرٍ عن حقيقته، مسلم مزدوج الشخصية، اسمه مسلم، يصلي ويصوم، أما أفكاره وحياته وتقديسه وسلوكه وعلاقاته كلها، فهي لمن ولّى أمره له من أشخاص وأنظمة وحكومات، وهي لا تمت للإسلام ولا للولاء لله ولرسوله بأي صلة.
قال الله سبحانه تعالى في سورة
الأعراف 3:
اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم
ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون
وقال تعالى في سورة التوبة 23:
يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا
آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم
الظالمون
وقال الله تعالى في سورة
الأنفال73:
والذين كفروا بعضهم أولياء بعض،
إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير
وقال الله تعالى في سورة هود
113:
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون
وقال تعالى في سورة التوبة71:
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم
أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق