الحلقة الثالثة - الشرك

-->
الشرك هو أعظم مصيبة تقع على الإنسان من فعل يديه، وهي التي تحرف هوية الإنسان، وتحرف مسار حياته ومستقبله ومستقبل أبنائه، ويقرر مسار الدول التي تحكم وهوية المجتمعات، وتحدد مصير هؤلاء كلهم، كما حصل لحياة أقوام مشهورة في التاريخ، هذا الشرك يتعرض مفهومه في أيامنا إلى أعظم أنواع التحريف والمغالطة، من خلال علماء السوء ومدرسين الدين في المدارس والجامعات، حتى أوقعوا الناس جميعهم في الشرك، وجعلوا أكثرهم مشركين وهم لا يعلمون، فقد أبرزوا صورة الشرك أنها تتمثل فقط في عبادة الأصنام (التي لم يعد لها وجود في ديار المسلمين منذ مجيء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم)، أو تتمثل كما يدعون في التمسح بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بقبور الصالحين، أو بالتشفع بالرسول صلى الله عليه وسلم حين الدعاء، أو بالصالحين من الصحابة أو التابعين أو غيرهم .

وتم التركيز كثيراً على هذا المفهوم لحاجة في نفس يعقوب، وتم إهمال المفهوم الأصلي للشرك، ولكن الأهم من ذلك أن التحريف الذي حصل لمفهوم الشرك غرضه أكثر من ذلك بكثير كما ذكرنا، فالشرك لم تكن هناك مسألة من المسائل في القرآن قد تعرضت للتوضيح والتبيان والتحذير كمثله، حتى يرحم الله الناس فلا يقعون فيه فيخسروا الدنيا والآخرة. 


الغرض من تحريف مفهوم الشرك هو جعل الإتباع لغير أوامر الله من الحكام والسلاطين القائمين اليوم أمراً طبيعياً، ولا يمس العقيدة، ولا يُدخل في الشرك، مما مهّد للقبول بإتباع غير أوامر الله والعمل في خدمتها، وبالتالي نجد شعوب المسلمين اليوم مخدرة، وتأتمر بأمر الحاكم الكفري وهي تعلم، وتجتنب نواهيه من دون الله، ولا ترى في ذلك بأساً، وتنصاع لأحكامه وأنظمته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، بل وتقوم على تنفيذها وخدمتها، ولا ترى في ذلك بأسا. وانغمس الأفراد والشعوب بالتالي في الشرك انغماساً لعيناً مُهيناً مُذلاً، وأصبحت لدينا اليوم مجتمعات شركية، وأفراد مشركون، وأكثرهم لا يعلمون، وبات كثير منهم يظن أن صلاته في المسجد أو في البيت كافية لصلاح دينه أو عمله أو قبوله عند الله.


الشرك بخلاف الكفر، بالإمكان أن يقع فيه الإنسان المسلم بكل يسر وسهولة، وذلك بمجرد مخالفته شروط الشهادتين ومقتضياتهما، التي هي الإتباع المطلق لأوامر الله واجتناب نواهيه، واجتناب وترك ما دون ذلك، مما ورد في القرآن الكريم وسنة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فنجد أن الجندي البسيط الذي يعمل في أحد الأجهزة الأمنية، يتبع أوامرَ يُؤمر فيها بالتجسس على المسلمين، أو يُؤمر مثلُه بالتقبض على المسلمين، ممن لا يملكون دفتر إقامة على سبيل المثال، أو يؤمر مثله باقتحام بيوت الآمنين، فيتّبع هذا وذاك أوامرَ مخالفةً لأوامر الله سبحانه وتعالى، أي متبعين أوامر الحاكم، فيكونون بهذا قد أشركوا مع الله آمراً وناهياً آخر، وهذا هو الشرك بعينه 
.

ونجد الوزراء، وعلماء السلاطين، ومدراء الدوائر الحكومية ورؤساءها، في الجوازات والجنسية أو الأحوال المدنية، أو في المدارس أو الجامعات، أو الغرف التجارية أو الصناعية أو الجمارك أو غيرها، نجدهم بالأنظمة التي ينفذونها يخالفون أوامر الله سبحانه وتعالى فيما يقومون عليه من أعمال، ويتبعون أوامر غير الله من الحكام، أي يشركون مع الله آمراً وناهياً أخر، وذلك هو الشرك بعينه، يفعلون ذلك وهم لا يجدون في ذلك بأساً ولا يتورعون فيه، ثم يتوجهون إلى المساجد ليصلوا فيها مع المصلين، أو تكون لهم إمامة الناس في صلاتهم .


قال الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة 3:وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 
أخرج البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، أو لم يدخل النار، قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق.

هناك 8 تعليقات:

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    يا أخي
    لو استعمل أهل السنة هذا المقياس لما بقي أحد إلا وكفرناه
    سامحك الله وهداك
    إن خضوع رقيق الدين لأوامر الحاكم يجعله عاص آثم عندنا
    وعند بعض المعتزلة يكون كافرا
    حمانا الله من الغلو

    ردحذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    يجب أن يتضح من الخطاب الوارد في هذه الحلقة من السلسلة أن الحديث يتعرض للشرك وتعريفه ، ولا يتعرض للتكفير ، وهو ليس قاعدة تبنى على كل شخص بعينه من طرفنا، وإنما هو توضيح جلي لموضوع الشرك بغض النظر عن وجود رقيقي الدين أو أقويائه

    ردحذف
  3. وهل المشرك ليس بكافر ؟؟؟؟

    ردحذف
  4. بالطبع لا قطعياً، فليس كل مشرك بكافر، بالرغم من أن الله لا يغفر أن يشرك به،
    وإنك لتجد عند من ذكرناهم من يقر بوجود الله ويقر بألوهيته، ويقر بكل ما يجب أن يؤمن به الإنسان عقلا، أو غيباً ، ولكنه لم يصل إلى درجة الإيمان التي تأخذ بزمامه للإتباع دون كل الشهوات والأهواء، فينجرف في الشرك وهو يعلم أو لا يعلم بأنه شرك. ولكن من يقر بشرْكه فهو حتما كافر لا محالة .
    أرجو أن تواصل متابعة حلقات السلسلة لتعرف أننا لن نترك شيئاً حتى نفصل فيه بإذن الله، ولا نكفر أحداً، ولكننا نكفر صفة الأفعال التي تصدر من العباد، وكل نفس بما كسبت رهينة، وهي أعلم بنفسها، ونحن إلا نضيء الطريق لمن أراد الله ورسوله والدين الذي نزل .
    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    ردحذف
  5. طاعة الحاكم في سنة النبي محمد صلى الله عليه و سلم , لكل من يحبه و يحب أن يتبعه : جاء في تفسير ابن كثير للآيه 59 من سورة النساء ( و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم ) أن هذا الحكم عام في ضرورة طاعة الحكام و الأمراء و العلماء المسلمين . جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( السمع و الطاعة على المرء المسلم فيما أحب و كره ما لم يؤمر بمعصية , فإذا أمر بمعصية فلا سمع و لا طاعة) . و عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... على السمع و الطاعة في المنشط و المكره , و أن لا ننازع الأمر أهله , قال : إلا أن تروا كفراً بواحاً عدنكم فيه من الله برهان . رواه البخاري و مسلم .
    و قال صلى الله عليه و سلم : اسمعوا و أطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبه . و قال أيضاً : سيليكم ولاة بعدي فيليكم البر ببره و الفاجر بفجوره , فاسمعوا لهم و أطيعوا في كل ما وافق الحق , و صلوا وراءهم , فإن أحسنوا فلكم و لهم , و إن أساءوا فلكم و عليهم .
    و قال صلى الله عليه و سلم : من رأى منكم من أميره شيئاً فكرهه فليصبر , فإن ليس أحد يفارق الجماعه شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهليه .
    و قال الله سبحانه و تعالى ( ومن قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها )
    و قال الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار
    و قال : من أشار لأخيه بحديدة لاتزال الملائكة تلعنه حتى ينزع أي يتوب
    و أمرنا أن نعتزل الفتنه ولو نعض على لحاء الشجر
    و بعد :
    هل ننصر من يهاجم أقسام الشرطه و مديريات الأمن ليضرب الشرطه بالسيوف و المولوتوف و الحجارة الضخمة ؟ أليسوا كلهم مسلمين ؟
    هل ننصر من يحارب الحاكم لأهواء في صدره ؟ أو لتحريض أو لمال ؟
    هل تناصر من ينازع الحاكم ؟ و من يحارب ممثل الحاكم أي الشرطه ؟
    أما موضوع دماء الشهداء فهو خدعة كبيرة , فهؤلاء كلهم قتلى و ليسوا شهداء

    ردحذف
  6. د. محمد سعيد التركي26 نوفمبر 2011 في 3:52 م

    أخي الكريم وديع أحمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كما تفضلت في رسالتك فإن ولي الأمر هو ذاك الذي يحكم بما أنزل الله ويجب محبته واحترامه وإعانته على حمله وتكاليفه، وطاعته واجبة وجوباً قطعياً لا خلاف فيه، كما يجب نصحه والترفق به، والصبر عليه وعلى أمره حتى ولو كان قاسياً، وعونه على أمور الحكم والتنفيذ، وكذلك يجب محاسبته من قبل أصحاب العلم من عامة الناس وخاصتهم بآلية لا تسبب الفوضى والفتن والشر، وكذلك يجب الوقوف ضده إن أصر على مخالفة أو تطبيق خلاف ما انعقدت عليه البيعة من الإسلام وحكم الإسلام، ويجب خلعه إن ثبت عدم صلاحه بآليةٍ يتولى أمرها أهل الحل والعقد من علماء الأمة وأعوان الخليفة وأمراء الولايات وغيرهم، وليس بفوضوية الغوغائية من الناس وأشراراهم وأصحاب الفتن منهم
    هذا هو واقع ولي الأمر، وهذه هي الطريقة الثابتة الصحيحة في التعامل معه، ولي الأمر هذا هو الذي قام الناس بتعيينه وبيعته على أن يحكم بالإسلام وليس بغير ذلك، وليس كل من قفز على كرسي الحكم أصبح هو ولي الأمر الشرعي، وهو الذي بيد الناس السلطان لمحاسبته كما ذكرت وبخلعه إن خالف
    هذا الواقع يا أخي لم يعد موجوداً منذ سقوط دولة الخلافة
    أما الواقع الحالي فهو واقع الحكم الجبري بغير ما أنزل الله، وشرك من أشرك وظلم من ظلم فليس حله هو الخروج بالسلاح في وجه هذا أو ذاك، فالحكم الشرعي لم ينصب على واقعنا الحالي، وإنما انصب على واقع الحاكم الإسلامي أي الخليفة
    أما اليوم فالأمر أمر دعوة وعمل لإعادة الحكم بما أنزل الله، والعمل على أن يجعل الناس مطلبهم هو إعادة الحكم بما أنزل الله وإقامة الخلافة الموعودة، وإذا لم يفعل الناس ذلك أثموا وتحملوا ما يترتب على غياب الحكم بما أنزل الله من مصائب وشر وظلم، كما نحن عليه اليوم

    هذا وتقبل فائق التحية والإحترام

    ردحذف
  7. هذا الأسلوب هو الذي اتخذه أهل التكفير ليكفروا الناس
    ثم من قال لك أن العلماء والمدرسين لا يتكلمون عن الحكم بغير ما أنزل
    يبدو أنك بعيد عن المناهج بسبب تخصصك في الطب
    راجع نواقض الإسلام وكتاب التوحيد لتعرف التنصيص على عدم الرضا بحكم الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله وأنه لا يطاع في معصية الله

    ردحذف
  8. أخي ناصح أمين
    أنا لم أتحدث عن الكفر، وإنما تحدثت عن الشرك وما يوقع الإنسان في الشرك، فإن كان لك رد علمي من الأصول على ما قلت فتفضل مشكورا، وأنا على استعداد لجعل ردك أحد مواضيع المدونة ومرجع للقاريء حتى ولو خالفت ما ورد هنا
    ولعلمك فما درسته أنت فقد درست مثله قبلك.
    وهناك بعض النقاشات في نفس هذه الحلقة قد تمت في نفس ما يجول في خاطرك، ولربما موضوع الولاء في الحلقة الثامنة يجيبك على بعض ما أردت العلم به
    تحياتي أخي

    ردحذف