الجزء الأول
منهج التغيير:
منهج التغيير هو الذي يعتمد في فكرته على أساس تغيير الواقع تغييراً جذرياً، انطلاقاً من أحد بلدان المسلمين في اتجاه باقي بلدان العالم، وتكون له السيادة في العالم أجمع.
نتحدث هنا عن النهضة والنهضويين في العالم الإسلامي لتغيير العالم الإسلامي، ولا نتحدث عن النهضويين ومنهج التغيير فيما يتعلق ببلدان غير المسلمين.
منهج التغيير منهج انقلابي، وهو منهج للخروج من شيء والدخول في شيء آخر تماماً، وهو بمثابة نزع ثوب واستبداله بثوب آخر، وهو منهج لا يقبل أنصاف الحلول، وهو يعالج حالة الواقع في الأمة الإسلامية بدءاً من القواعد وانتهاءً بالرأس، وهو منهج كما يقال أصولي (راديكالي)، أي هو ليزيح الواقع الحالي بعقيدته ونظامه وقوانينه وحكامه ووزرائه، ويزيح كل المنتفعين من وراء حكوماته ويزيلهم من الوجود، ليبدله بواقع جديد، من منطلق أن الواقع الحالي من أساسه حتى رأسه واقع باطل ومرفوض، وليس له شرعية في البقاء أو الاستمرار في الحياة، لذلك لا بد لمن يعمل في النهضة أن يميز تماماً بين عمل التغيير وأعمال الإصلاح، وإلا فلن يدرك البر ولن يدرك البحر.
منهج التغيير في العالم الإسلامي هو أكثر شيء تكرهه أمريكا وأوروبا وأحلافهم، ويكرهه أولياؤهم من الحكام، وأكثر شيء يبغضونه ويحاربونه، وأصحاب التغيير من النهضويين فيه هم أعدى أعدائهم، وألد خصومهم، والشر المستطير الذي يهدد أمن الدول القومي الحاضر، ويهدد كياناته وتحالفاته، ويهدد وجودهم، فكان لا بد لهؤلاء أن يحشدوا كل قواهم الاستخباراتية، وقواهم الأمنية التي تطال دون رحمة الطفل الصغير والمرأة في بيتها، والشيخ الكبير، فهو أمر مصيري، حياة أو موت، لكل قوى الغرب والحكومات القائمة في البلدان الإسلامية.
إلا أن مناهج التغيير تختلف عند من يحاربها، فهناك مناهج تغيير مقبولة عندهم، كدعاوى التغيير أو الإصلاح الديمقراطية، ودعاوى الليبرالية (التحررية من الديكتاتورية ومن الدين)، وهناك مناهج مفتعلة، كدعاوى التغيير الشعوبية، الوطنية والقومية، وهناك مناهج تغيير مرفوضة جذرياً، كالدعاوى الإسلامية المسلحة، أي بالقوة والسلاح، وكمناهج التغيير العسكرية ذات الأصل القومي كالانفصال داخل الجيوش، وهناك مناهج تغيير إسلامية سياسية غير مسلحة تحظى ببغض وحذر وحرب شديدة من هؤلاء.
من أين يبدأ التغيير:
كون أن واقع مرحلة ما من الأزمان لها أصلها الذي قامت عليه وإنبنت به، وعلى أساس هذا الأصل قامت كل الأفكار والأنظمة والمقاييس والقناعات عند الناس، فتحددت بهذه وتلك هوية العلاقات بين الناس وروابطهم، وتقررت حياتهم الاقتصادية، وتحددت كذلك به طبيعة عيشهم وهوية أعمالهم، وتحَدّدَ إنتاجهم ومستوى المعيشة عندهم، وكذا تحددت طبيعة الحياة والعلاقات التي تتأثر بالأوضاع الاقتصادية، وكذا أوضاعهم الصحية والنفسية والاجتماعية، وكل ما له علاقة بعيش الإنسان وحياته.
فكون أن الأصل في صورة الحياة بأكملها في حقبة من الزمن، هو العقيدة والأفكار، والأنظمة التي تنبثق من هذه العقيدة، إذن وجب أن تنصب عمليات التغيير كلها على هذا الأصل، فانطلاقاً من تغيير هذا الأصل، يتغير كل ما وراء ذلك، فإن كانت عقيدة من يعمل للتغيير الإسلامية ينتابها أي ثغرات عند أحدهم أو بعضهم، فالويل والثبور وعظائم الأمور، عليهم وعلى المجتمعات التي يطمحون لتغيير واقعهم.
لذا فإن النهضويين الذين يطمحون أو يعملون للتغيير وجب أن يعوا هذا الأمر، وأن يكون هذا هو ديدنهم للتغيير، وإلا أخذ عملهم صورة بين الإصلاح والتغيير، فلا يكونون هم الأسود ولا يكونون هم الطرائد، ويجب أن يعوا ذلك وإلا تحولت أعمالهم إلى مجال الإصلاح المضر، وهم يحسبون أنهم يعملون للتغيير، ويصبحون في حكم من ذكرناهم من أصحاب المنهج الإصلاحي.
إذن وجب على من يعمل للتغيير من النهضويين إمتلاك بديل للواقع الذي يسعون لتغييره، ويجب أن يكون هذا البديل شاملاً كاملاً وافياً، يغطي انطلاقا من العقيدة جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والقضائية وغيرها، حتى إذا ما نجحوا بإزاحة الواقع الحالي استطاعوا أن يُحلوا مَحِله الواقع الذي يعملون لإيجاده.
ولن يكون البديل الذي يعده النهضويون ناجحاً ما لم تتوفر فيه شروط عديدة، أولها: أنه لا بد أن يكون البديل معدّاً إعداداً جاهزاً للتطبيق، ومدروساً بعناية فائقة مستفيضة، دراسة عميقة مستنيرة، من علماء ربانيينن ومتخصصين سياسيين واقتصاديين ومفكرين.
ثانياً: لا بد أن يكون هذا البديل معلوماً لكل فرد من أفراد النهضويين بعموميته وببعض تخصصاته، ليتضح لدى كل منهم المطلب وضوحاً تاماً، أما النهضويون بمجموعهم فيجب أن يكون لديهم متخصصين بارعين، كلٌ فيي مجال تخصصه، في كل جانب من جوانب الحياة، فعلماء في المبدأ، وعلماء في الاقتصاد وعلماء في السياسة، وعلماء في الإدارة، وعلماء في علم الاجتماع، وعلماء في التخطيط، ومفكرين ومبدعين وعلماء في الشريعة أي في النظام البديل، وعلماء عسكريين وسياسيين، وقادة محنكين، أي لا بد من وجود بدلاء لمن سيستبدلونهم حتماً من أصحاب القيادات وأهل الحل والعقد.
ثالثاً: إن البديل العقدي والنظامي للواقع الحالي يجب أن يكون عند النهضويين أنفسهم مكتوباً، ومدونة كل تفاصيله تدويناً لا يقبل التأويل أو التحريف، شاملاً جميع المعالجات التي يجب أن تكون قد تم إعدادها لعملية الإنتقال من الواقع القديم إلى الواقع الجديد، في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والإجتماعية والإداريةة وغيرها، حيث يجب أن تكون هذه المعالجات عميقة ودقيقة ومدروسة بعناية فائقة، وأن يكون هناك علمم وتصور تام بالواقع الحالي وتبعات التغيير، حتى لا تقع الأمة الإسلامية في وحول من الفقر والحروب الأهلية، وانعدام الأمن، والتخبط والضياع وتمزق البلدان، وحصول المآسي.
هذا فيما يتعلق بتغيير واقع الأمة العقدي والنظامي، أي يجب أن يكون معلوماً لدى النهضويين ولدى من يعمل للتغيير، وحتى يجب أن يكون معلوماً لدى الأمة الإسلامية، يجب أن تكون هذه الجوانب معلومة في تغيير الواقع، أي يجب على الأمة الإسلامية أن تعي مطالبها على وجه الحقيقة، بدءاً من ضرورة التغيير وأهميته، ومروراً بالشيء الذي يتم التغيير به، وهو الإسلام بشموليته، وانتهاء بالصورة التي ينتهي إليها التغيير (وهو استئناف الحياة الإسلامية تحت راية دولة الإسلام العظمى - الخلافة).
هناك مسائل عديدة، مهمة وخطيرة يجب أن يعيها النهضويون كما يجب أن تعيها الأمة، سنتناولها إن شاء الله تعالى في حلقات السلسلة القادمة .
قال الله تعالى في سورة الأنفال آية 53
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
وقال تعالى في سورة الرعد آية 11
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
وقال تعالى في سورة المائدة 48
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِيي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
وقال تعالى في سورة التوبة آية 109
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
وقال تعالى في سورة النور آية 55
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
الله يباركلنا فيك ..
ردحذفوهذا هو البنيان السليم للشخصيه وأفكارها ومعتفدها..
جزاك الله عني ألف خير.
حضرة الأستاذ الدكتور محمد التركي
ردحذفالسلام عليكم
منهج التغيير الكلي الشامل أو لنسميه كما شئت حضرتك الانقلابي هو منهج حاصل في التاريخ قديما وحديثا، وليس باعتماد على الدين ولا على آيات او أحاديث، انه ليس جديدا، فتغيير الامبراطورية الروسية إلى اتحاد شيوعي جاء بانقلاب، وتغيير نظام الشاه الإيراني جاء بانقلاب، وتغيير النظام الملكي المصري جاء بانقلاب، وليبيا والسودان واليمن والعراق ، وتستطيع ان تقول كل دول اسيا وكل دول افريقيا، كان التغيير يحصل بانقلاب كامل شامل، ما عدا الهند واليابان
اوافقك سيدي على أن نتفق على الأرض وحمايتها، والكرامة واحترامها، والوحدة والتعاون والمصالح المشتركة، والاقتصاد كل هذا يوحد الشعب او الشعوب، إلا الدين فهو الذي يفرق بين الشعوب، لنجعل الدين حرية شخصية، ونترك الناس يدعون له ويقيمون المساجد ويفعلون حسنات كما يشاءون لكن لا يكون الحكم دينيا، وقد رأيت أن المسلمين منقسمون في كل مكان ، وبغض النظر عن انقسام الشيعة عن السنة، فالسنة مائة حزب، ويحاربون بعضهم، وانظر إلى الإخوان المسلمين في مصر، انقسم عنهم أحزاب اسلامية تعمل ضدهم وضد خططهم، وحجمها ليس بسيطا، وأن نبقى نعلك في الكلام ونعيد ونزيد في تلقين الناس الآيات وشرحها، والاستدلال بالأحاديث النبوية الشريفة ، فسنظل في متاهات، ارجو أن يلهمنا الله لطريق توحد قلوبنا ثم بعدها نقيم الدين حسب صناديق الاقتراع، لكن علينا ان نثبت اولا لشعوبنا اننا نعمل بإخلاص وحب وشفافية لمصلحة الأرض والإنسان والكرامة والاقتصاد، بعدها تكون معنا حرية كافية لإقناع الناس بتغيير اساليب حكمهم او تفكيرهم او مبادئهم.وإلا فسنبقيى اذلة إلى يوم القيامة. حين انتصر الرسول والمسلمون على الكفار ، لم يتشددوا في تطبيق الدين، ولا متابعة الناس في بيوتهم، ولا برجال مخابرات، بل كانوا ينتصرون مثل الانقلاب، ويحكمون البلد ، ثم ينشئون المساجد، ويصلون، ولكنهم لا يحاكمون الناس لأنهم غير مسلمين، والشرح يطول لكن هذه هي الفكرة. الانقلاب ضروري، لكن ليس على اساس الدين او المذهب، وليبق ذلك في عقول السياسيين والقادة، ثم يعملون بأسلوب الرسول (ص) والصحابة حين كانوا يقلبون نظام حكم في اي بلد والسلام عليكم
العجوز ابوخالد نازك ضمرة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الأستاذ الكريم أبو خالد
ردحذفسرني تفاعلك أخي مع موضوعي هذا، وكما أشرت أني تناولت التغيير فيما يخص المسلمين اليوم والعالم الإسلامي، حيث أن عملية التغيير أصلا ليست مختصة بدين أو ملة أو هوية، وإنما هي عملية لها قواعد وأصول، فإن اتُخذت هذه القواعد والأصول بحذافيرها تم التغيير إلى الشيء الذي يطمح إليه أصحاب التغيير وقادته، أيا كان هذا المطلب أو ذاك (ديمقراطية، شيوعية، اشتراكية، في صورة دول قومية أو وطنية أو ملكية أو امبراطورية أو غيره.
إلا أننا هنا نتحدث عن مطلب مخالف لما حصل في العقود السابقة في العالم العربي والإسلامي، حيث أن مطلب الدولة الإسلامية والخلافة اليوم قد تبلور في أذهان الناس وأصبح المحور التي تدور حوله مطالب الناس في العالم الإسلامي.
إن عملية التغيير في حاجة إلى عدة عناصر، مبدأ، وحزب يحمل هذا المبدأ ويعمل له سياسيا ويدعو له وأمة تحتضن هذا الحزب وتحمل على الأقل المطلب بهذا المبدأ الذي يحمله ويعمل له هذا الحزب، ثم تأتي العملية المباشرة للإنقلاب، فإن وجدت هذه العناصر بقوة وتأصلت تمت العملية الإنقلابية على وجه يعد بتغيير شامل، فيأتي التغيير ليحرر الناس من المبدأ والنظام السابق والحياة السابقة، ويزيل كل الصراعات والاختلافات المذهبية والعرقية ويصهر الأمة في بوتقة المبدأ الجديد، فإما إلى خير كما فعل الرسول محمد عليه أفضل صلاة وأتم تسليم، أو إلى بوتقة شر كما فعلت الشيوعية والرأسمالية.
أما إن لم توجد هذه العناصر بقوة ولم تتأصل وكانت ضعيفة وغير مؤثرة تتأخر عملية التغيير برمتها وتتأخر، لذلك نحن نعمل على توعية الأمة الإسلامية وتأصيل مطلبها ونحاول تعليمها كيف تتم عملية التغيير، فإن جاء يوم التغيير والفتح والنصر وحصل التغيير ستذوب كل المصائب التي تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم والإختلافات المذهبية المسيسة الشائعة والصراعات والمؤامرات السياسية والفكرية وغيرها، وستتوقف عمليات خبيثة استخباراتية تضع في جسم الأمة.
على أي حال نحن لا ندعو إلى خلافة داعش أو خلافة طالبان أو ما شابهها، إنما إلى أمر يستند إلى برنامج سياسي وعلمي وأصولي، تختار فيها الأمة حاكمها بإرادتها وسلطانها، وليس بسلطان يأتي من الدولة تلك أو تلك، أو بأموال من هنا أو هناك أو سلاح هنا أو هناك، وحلقات السلسلة توضح هذا الفهم وتبينه
تحياتي أخي لك والسلام عليكم