التاريخ هو الحقبة او الحقب الزمنية التي تمرّ على الأمم والشعوب والبلدان، وتُصنع فيها أفكار وتقوم فيها دول وتنشأ فيها أفعال وتنتشر فيها حضارة أو حضارات، ثم تنقضي هذه الحقب، فيرث هذا كله أجيال جديدة، يحملونها ثم يورثونها لمن بعدهم من الأجيال والأمم والشعوب، فيقوم هؤلاء أو أولئك فيزيدون أو يغيرون أو يفرّطون في إرث من سبقهم من أفكار ونجاحات وأفعال ومنشآت، أي يصلحون هذا الإرث، أو يفسدونه بأفكار ودول وأفعال جديدة، فتنشأ حضارة أو حضارات جديدة، إما أن تكون هابطة، أو تكون أكثر رقيّاً من التي قبلها.
والتاريخ بالأعمال الجليلة والخير، وبالبطولات والفتوحات وقيادة الأمم
دائماً كالتاريخ الإسلامي مفخرة للأجيال الحاضرة، وصانع لهويتهم الحالية، وتاج
يحملونه فوق رؤوسهم، يسوقهم إن ثابروا على السير في نهجه إلى النهضة والتطور
والرقي وقيادة الحاضر، والأخذ بزمام المستقبل، وخلاف ذلك تماماً من كان تاريخه
أسوداً، مليئاً بدماء الأبرياء كالتاريخ والحاضر الأوروبي والأمريكي، ومليئاً بهتك
الأعراض، وسفك الدماء، وتدمير حضارات الشعوب والأمم الأخرى، واحتلال الأراضي ونهب
الثروات، كما فعلوا في أفريقيا وآسيا وأستراليا والأمريكتين، وما زالوا على ذلك.
لم يمر على كل البشر أجمع، في الأرض كافة منذ تاريخ سيدنا آدم عليه السلام،
أرقى فكراً، وأضحى نوراً، وأنصع بياضاً، وأبهى منظراً، وأكثر عزة، وأوسع خيراً،
وأشمل رحمة، واسما علماً وأدباً، وأرقى عمراناً من حضارة المسلمين وتاريخهم، التي
صنعها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تبعه من الخلفاء الراشدين ومن جاء
بعدهم، حتى قبل أيام سقوط دولة الإسلام (قبل مائة عام) في أيدي أعداء الإسلام
والمسلمين، من الكفار والمشركين والمنافقين.
هذا التاريخ الناصع، الأكثر نصاعة مما يتصوره المسلمون اليوم ويتخيلونه، هو
الذي جعل المسلمين وأهّلهم لأن يسودوا الكرة الأرضية، أكثر من أحد عشر قرناً من
الزمان، وما زالت آثار هذه السيادة باقية، نراها بأم أعيننا.
هذا التاريخ وهذه الحقبة الممتدة إثني عشر قرن من الزمان لم نجد أحداً من
آبائنا أو أجدادنا اليوم، لطول العهد، من يتذكرها ويحكي لنا عنها، أو يذكر لنا عن
عز المسلمين فيها وسؤددهم، بل وجدنا بعض المعمّرين من شيوخنا من يحكي لنا عن
قُطّاع الطرق، وعن التشتت والجوع والقتل في مناطق المسلمين المختلفة مما رأت
أعينهم، هذه المرحلة التي حكى عنها الأجداد القريبون، كانت هي المرحلة التي سقطت
فيها دولة الإسلام العظمى، في أيدي الأعداء من أبنائها الخونة المرتدين وأحلافهم
الأوروبيين، ورأت من الويلات ما نقل أخباره إلينا قريبو العهد من آبائنا، دون ذكر
سبب هذه الويلات ومصائب الهبوط، وهو هدم دولة الخلافة في اسطنبول، وهذا أشبه ما
يكون بسقوط العراق اليوم في أيدي الأمريكان وأعوانهم من أبناء الأمة المرتدين
والويلات التي نراها اليوم فيه، ومصائب الأمة الإسلامية، وإرجاع ذلك لسبب أننا
متخلفون ولم ينفعنا إسلامنا أو ما شابهه.
أما المرحلة العظمى من تاريخ المسلمين، ورسولهم وأصحابه وتابعيهم وقواد
المسلمين الحقيقيين حتى عهد قريب، والتي هي مفخرة للمسلمين أجمعين، ومفخرة لكل
مسلم فرد، ومفخرة للمجتمعات المسلمة اليوم، فقد باتت اليوم يفتي فيها ويزور جوانب
فيها الحكام المتمسلمين، وسادتهم من الكفار الأمريكيين والأوروبيين.
قام هؤلاء الحكام وأعوانهم من علماء السوء ودكاترة الجامعات، ومن التربويين
في مدارس أبنائنا وجامعاتهم، وعن طريق أجهزة الإعلام، قاموا يطعنون في تاريخ
المسلمين وخلفائهم وقادتهم، ويقدمونه للشعوب، وخاصة لأبنائنا على طبق من التشويه
والتحريف والسخرية، ليخدم أغراضاَ كثيرة في بناء الشخصية الإسلامية والمجتمعات
المسلمة، أهمها:
· محاولة تحريف هوية المسلم والعمل على هدم شخصيته الإسلامية بالنيل من
عزته وفخره بتاريخه، ويصيبه الخجل من تاريخه وتاريخ آبائه وأجداده، حتى يلغي
المسلم فكرة المطالبة بالعودة إلى مثل هذا التاريخ من ذهنه.
· هذا التشكيك بالتاريخ الإسلامي له التأثير على مطالب الفرد المسلم
الحالية، حيث يُقنع المسلم الحاضر بأن تاريخه ليس بخير من حاضره، بل إن حاضره
خيراً من تاريخه، أو أن لا فرق بين الحاضر والماضي، فعليه أن يلتزم بحاضره ويرتضي
حكامه لأنهم خيراً ممن سبقوهم، أو هم أمثالهم، أو أن هؤلاء الحكام قاتلهم الله
خيراً من خلفاء المسلمين الراشدين، أو غير الراشدين، أو هم أمثالهم .
· محاولة إلغاء فكرة الرجوع إلى عز الإسلام والمسلمين في نفوس المسلمين،
وبالتالي إلغاء فكرة المطالبة بالعودة إلى حكم الإسلام، في صورة الخلافة التي
أورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولمن
بعده .
· صرف نظر المسلمين إلى النهضة الأوروبية والأمريكية وإلى أفكارها، لأن
تصبح هي المطلب الرئيسي للحاضر، والمطلب الرئيسي لصنع المستقبل وتبني الأفكار
وبناء المجتمعات.
· يخدم هذا التشويه بشكل عام التشكيك في الإسلام ونظام الإسلام وصلاحيته،
ويخدم كذلك هدم الثوابت التاريخية الموروثة من العلم والأدب والدين، وما يتبعها من
أعراف وعادات وتقاليد، ومن أفكار ومقاييس وقناعات، التي هي اللبنات لبناء المجتمع
الإسلامي، فيقومون محاولين تغريب المجتمعات وإحرافها وإحراف هويتها وطريقة حياتها،
وصناعة مجتمعات منحلّة من الدين والآداب الإسلامية والقيم كافة، لأن تكون كغيرها
من المجتمعات الأوروبية والأمريكية في انحلالها، سيراً في ركب ما يسمى بالعولمة
الكافرة.
قال الله تعالى في سورة النحل 25
ليَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ
أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ
وقال تعالى في سورة الأنعام 112:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ
وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ
شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون
وقال تعالى في سورة آل عمران69
أتفق مع سيادتكم في أغلب ما ورد فيه ولكن أرجو أن يتسع صدركم لإجراء حوار مهم حول عودة الخلافة ألاسلامية بشكلها التقليدي والذي يعطي حصانة دينية لشخص يستحيل أن تجتمع فيه القيادة الدينية والسياسية كما كانت في سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وهل الحل في أن تتحول الصفة الفردية للخليفة الي الدولة ككل ويكون كل سياسي داخل هذه المنظومة أجيرا كما قال سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه "أنا أجير هذه الأمة". وخاصة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سمي الحكم بعد الخلفاء الراشدين بالملك العضود فهل يجب أن نسميهم بما لم يسمهم رسول الله صلي الله عليه وسلم به تحت مسمي اتفاق العلماء?
ردحذفأخي الكريم د. أحمد
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تساؤلاتك في محلها، وهي مما يجب أن نشتغل به، ونعمل على معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بوجوب إقامة الخلافة كون أنها النظام السياسي الذي إجتمعت كل الأدلة الأربعة عليه، كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة والقياس، أما ما هي الصورة الفعلية للخليفة كونه رأس الأمر في الحكم، فهذا يتطلب علماً ومعرفة ودراسة جديرة بها، وما كان ميسراً للخلفاء الراشدين فهو ذاته كذلك ميسراً لمن يعمل على اتباعه، فهي أحكام شرعية من عند الله للناس أجمعين، ولم تنزل مخصصة للخلفاء الراشدين دون غيرهم
وقد أعطيت هذا الأمر حقه إن شاء الله في سلسلة المعرفة في المدونة في شرح صفة الدولة الإسلامية ونظام الحكم في الإسلام والأنظمة الأخرى في الإسلام وذلك بدءاً من الحلقة الثالثة والثلاثين.
فإنصهار الأمة كلها يا أخي يتم بشكل كلي من خلال أنظمة الإسلام بدءاً من الحكام وإنتهاء بكل فرد فيها حتى تنال البيئة والحيوان
وكما ذكر سيدنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مراحل الحكم الراشدي والعاض والجبري فقد ذكر سيدنا الحبيب عودة الحكم الراشد على منهاج النبوة في نهاية المطاف
اسأل الله أن نكون رجال هذا الزمان والعاملين على عودة الحكم بما أنزل الله، آمين
مع تحيات أخيك
اللهم اجعلنا من العاملين للخلافة الراشدة ومن رجالها
حذفجزاك الله خير على العمل الجميل.
ردحذفكيف ممكن يكون عندي خلفيه ثقافية اكبر؟
ردحذفأختي الكريمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل ما إستثمر الإنسان في نفسه وعقله وعلمه أكثر كل ما ازداد علمه ووعيه وزادت هدايته، فيعلم ما هو الفكر الذي يجب أن يحمله وما هو الفكر الذي يجب أن يحذر منه ويجتنبه، فإذا ما اتضحت صورة الإيمان لدى الإنسان بشكل واضح وبسيط كانت له قاعدة أساسية في بناء قصور من السعادة والرقي والنهضة، أما إذا كانت قاعدة الإنسان الفكرية تشوبها الشكوك وخليط من الأفكار الغير واضحة ، والإجابات الغير سليمة لتساؤلات كثيرة في هذه الحياة وعنها، كلما زاد ذلك الإنسان ضلالا وتخلفاً وشقاء على نفسه وعلى غيره من الأبناء والأهل
ستجدين إن شاء الله في السلسلة ما يخدم هذا الأمر من المعرفة الأساسية في أمور بناء الشخصية الصحيح والقواعد الصحيحة التي يُبنى عليها طلب العلم، وأثره في الحياة وواجبات المؤمن المكلف بها في الحياة الدنيا
لذا حبذا أن تتابعي السلسلة حلقة بحلقة وبشكل مركز، وأنا على استعداد لإجابة أي تساؤلات تحتاج إلى توضيح
نرجو منكم فقط الدعاء
مع التحية
جزاك الله خير ورحم والديك , بمثلك يعتز المرء
ردحذف