الحلقة الرابعة عشر- "الشخصيات المتدينة" من إفرازات الفكر المنحرف

-->
الشخصية المتدينة :
لا يقصد بالشخصية المتدينة الشخصية الإسلامية، وإنما هي شخصية تنتمي إلى الإسلام، ولكنها تأخذ جانباً من الإسلام، وتجعله موضع اهتمامها وتركيزها، كالجانب التعبدي (الشعائر التعبدية، حفظ القرآن مجرداً من المعاني والتكاليف، المواعظ والأذكار، وغير هذا) وتتجاهل أو تجافي ما دون هذه الجوانب، وتنتحل هذه الشخصية مظهراً معيناً في ملبسها وهيئتها وكيفية أحاديثها، وفي كيفية أخذها لأمور الحياة العامة والخاصة، حتى أصبحت معلومة عند المجتمعات المسلمة، وأصبحت تكتسب مسمى معين، ففي كثير من البلدان الإسلامية يطلقون على أشخاص كهؤلاء اسم متدين، أو ملتزم، أو شيخ، أو مطوّع (في دول الخليج)، وغير ذلك.

فالشخصيات المتدينة، والألفاظ التي تُطلق عليهم من خلال واقعهم اصطلاحا، لم تكن موجودة في القرون السابقة على الإطلاق، وليسو هم أو مسمياتهم أصلاً من إفرازات الفكر الإسلامي أو نظامه.

هذه النوعية من الأشخاص قد وَجَدوا في الجانب الشعوري التعبدي مبتغاهم، حيث حاجة كل إنسان في هذه الدنيا إشباع غريزة التدين وما يتبع هذا الإشباع من شعور بالرضا والطمأنينة، لذا فإن الشخصية المتدينة تؤدي ما يغلب على ظنها عادة وتعتبره يمثل الواجبات والفرائض، وفي الحقيقة فإن أفكارهم وأعمالهم لا تتعدى الشعائر التعبدية، ولا تتجاوز بعض السنن.

ما يُسمى بالشخصية المتدينة، قد تكونت من خلال الأفكار التي ذكرناها في الحلقات السابقة، والتي قد كانت الغذاء الفكري لأصحابها وللمجتمعات المسلمة كافة، إبتداء من التعليم المدرسي وتربية الأبوين، ونتاج الخضوع للواقع السياسي والاجتماعي، لذا كان لابد من تكون هذه النوعية من الشخصيات حتى لو كانت محبة للإسلام وراغبة العيش به.

الظروف التي ساعدت على نشوء وانتشار شخصيات كهذه:
1) كما ذكرنا في الحلقات السابقة إن الدول قد نجحت في إحراف مفاهيم العقيدة الأساسية، وصرفت الناس عن  فهم مقتضى الشهادتين والحكم بالإسلام، وصرفتهم عن الاشتغال بالدعوة للحكم بالإسلام، ووضعت كل المحاذير لمن يفكر بهذه الدعوى أو يتحدث بها، وصرفتهم عن ربط الأفكار الإسلامية بالواقع، وملأت سجونها بمن يقع في هذه المحاذير، وما زالت، ووقفت في وجه مصالح العلماء الربانيين وأصحاب الدعوة الصادقين، وتعرضت لكل شؤون حياتهم بالمكيدة والدسائس، وبحرمانهم من السفر والتنقل، وبحظرهم تولي مناصب قيادية أو عسكرية أو تعليمية أو تربوية. 
هذه الأعمال الإجرامية كانت مؤشراً لبعض محبي الإسلام أن يتخذ جانباً آمناً للسير تحت مظلة الإسلام كما يظن، وذلك بالالتزام بالجوانب التعبدية التي لا تُسخط السلطان، ولا تعرضه ولا مصالحه المادية للخطر، بل تُكسبه حباً واحتراما عند السلطان وعند من يوالي السلطان، وهكذا كان.

2) مظهر صاحب هذه الشخصية مظهر مَهيب عادة، فهو يتخذ لنفسه غالباً مظهر العلماء والأتقياء والفقهاء والزّهاد في الملبس، ولذلك فالشخصية المتدينة تجتذب أنظار الناس، وتستوجب احترامهم وتوقيرهم، وتدعو الناس لخفض جناح الذل لهم تعظيماً وتكريماً، فالشخصيات المتدينة أعلنت للناس بمظهرها أنهم هم أصحاب شأن، وهم أهل التقوى والصلاح، وهم أهل العلم، وهم أهل الاتباع، وهم المستأمنون على الأموال والأعراض، وهم القدوة الصالحة الحسنة في الناس ذون غيرهم، ولذلك وجدت الشخصيات المتدينة في تدينها بهذه الكيفية مرتعاً خصباً، تنمو فيه وتتكاثر ويعلو شأنها، بل ويصبح لها عند السلطان وأعوانه شأن، عوضاً عن حرب السلطان لأمثالها.
وقد وجدت الشخصيات المتدينة، في حب المسلمين وتعلق قلوبهم بعلمائهم وشدة احترامهم لأتقيائهم أو من يتصل بهم بصلة، جوهراً أو مظهراً، وجدت ضالتها من الاحترام والتوقير، ووجدت المرتع الخصب لأن تظهر وتتكاثر وتتمسك بهذا المظهر، والحصول على الفرصة لتتصدر المجالس والأحاديث.

3) تسهيل مصالح الشخصيات المتدينة في الدوائر الحكومية وفي المعاملات التجارية، كانت دافعاً قوياً لنشأة الشخصيات المتدينة، ولتمسك أمثالهم بهيئتهم، في وقت تدنت فيه المعيشة وتعثرت فيه مصالح الناس.

4) رضا جميع حكام العالم الإسلامي الخائنين عن شخصيات كهذه، ونعتها بالرجال الصالحين، وتقديمهم على باقي الناس بتوليتهم بعض مصالح الناس المتعلقة بدينهم، وتُصدرهم لهذه المصالح، أدى هذا الفعل إلى بروز هذه الشخصيات وتعاظمها واستكبارها، بل وإلى أن يقوم بعضهم بتكوين مجموعات، يتبادلون المنافع فيها فيما بينهم دون غيرهم، ومع كل من يتصف بصفاتهم، وينتهج منهجهم.

لقد كان من الضروري لهذه الشخصيات في دواخل نفوسها أن ترتضي فكراً معيناً لها، يتسم بسمة شبه إسلامية، يخرجها من مآزق التكاليف الشرعية لتستطيع العيش، ولتستطيع التحرر من عذاب الشعور بالذنب، فكان لابد لها أن ترتضي وتدعو لفكرة ولي الأمر والعلماء، حتى تكون هذه الفكرة بالنسبة للشخصيات المتدينة، شماعة تعلق عليها كل أخطائها وانحرافاتها الشخصية، وليكون هذا الموقف شماعة تفسر به ترك واجبات طلب العلم الشرعي، والدعوة للحكم بالإسلام، وترك الدعوة للمطالبة بإقامة الجهاد، وشماعة للاستسلام لليهود، والاستسلام لأمريكا والغرب والشرق بذريعة ولي الأمر وطاعة ولي الأمر، وشماعة لمواصلة السير والعيش بنفس الأفكار والمنهج التديني.

صفات الشخصيات المتدينة :
إن الشخصية المتدينة التي تتصف بمظهر معين كما ذكرنا، بجبة أو بعمة أو بثوب بالغ القصر ولحية مطلقة  تجدها غالباً لاتؤمن بنظام دقيق في الحياة أو بفكر منظم، ولذلك فهي تعيش كما يعيش عامة الناس بعشوائيتهم، وقبولهم بالأمر الواقع واستسلامهم له، والتعايش معه، تكتفي بشدة الالتزام بالشعائر التعبدية والغلو فيها وتكتفي بكثير من السنن، والغلو في مسائل فقهية اجتماعية معينة لا تتجاوزها عقولهم.

هذه الشخصية لا تؤمن كذلك بتغيير الواقع، وإنما تؤمن بالإصلاح، من منطلق أن الواقع صحيح وتكتنفه بعض الأخطاء اليسيرة القابلة للإصلاح، وهذا ما يفسر اشتغالها بالمسائل التعبدية، البعيدة عن الدخول في أحكام السياسة ومحاسبة الحكام، أو الحديث عنها لخطورتها على صاحبها.

هذه الشخصية بالكيفية التي ذكرنا هي مخالفة لأمر الله، ومخالفة لقواعد الدعوة للإسلام وطلب العلم الشرعي، وتنقل للناس، عن علم أو غير علم، صورة للإسلام مغايرة تماماً لما جاء به رسول الأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومخالفة للشخصية الإسلامية الحقيقية المأمورين ببنائها، وهي تعين على تعطيل الأمة للنهوض بإسلامها كما جاء، وكما عاش به الصحابة والتابعون ومن تبعهم.

قال الله في سورة آل عمران 19
إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب

وقال سبحانه في سورة المائدة 48 
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون.

وقال سبحانه وتعالى في سورة التوبة 19
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين

هناك تعليقان (2):

  1. المفروض على صاحب المقال أن يتبع الاسلوب العلمي المنهجي، في طرحه لكلامه، ولكن واضح جدًا أنّ كلامه مجرد ردة فعل أغلبت عليه الهوى في كتابته لهذا المقال.
    فالمقال لم يتعرض إلى أنّ هذه الفئة من الشخصيات المتدينة يتبعون ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
    ولكن أجد أنّ صاحب هذا المقال، أكثر مقالاته معادية لحكام المسلمين، وهذا ما جعل له هذه الفوبيا التي من خلالها يشن على كل من يقول بالسمع والطاعة لحكام المسلمين سواء كان من الشخصيات المتدينة أم من الشخصيات الملحدة، فالرضا والسخط عنده على مدى مقياس الخروج والطعن في الحكام.
    فأين أنت من أحاديث السمع والطاعة للحكام، ومنها “تسمع وتطيع إن أخذ مالك وجلد ظهرك” وهل هذه الأحاديث اخترعها هؤلاء الأشخاص المتدينون من أجل الحصول على رضى الحكام كما تزعم؟
    أم إن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم” هل هذه آية في كتاب الله أم هي من مفتراة من قبل هؤلاء الأشخاص
    اقول: فلتتق الله عز وجل، فأنت لم تدخل في نيّاتهم، وإن كان لديك مشكلة شخصية مع الحكام فلا تجعل كل دينك يدندن حول هذا الشيء وتطعن في ديانة كثير من الناس سيكونون خصومك يوم القيامة

    ردحذف
  2. د. محمد سعيد التركي27 ديسمبر 2012 في 1:27 ص

    الأخ الكريم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أظن أنك تجد الجواب على كلامك في نفس الموضوع، لذا أرجو منك مراجعته مرة أخرى، وأنصحك بالإطلاع كذلك على موضوع ولي الأمر الحلقة السادسة في السلسلة
    أو أنك ستجد في الحلقة الثامنة عشر تفصيلا عن صفة الشخصية الإسلامية المطلوبة في شرع الإسلام
    مع التحية

    ردحذف