إنه من الضروري طرح تساؤلات كثيرة هامة لفهم حقيقة الثورات العربية، وإن من هذه وغيرها كثير، التساؤلات التالية: ألم يكن بين الأمة من قبل أحرار يدينون لله الواحد القهار؟ ألم يكن بينهم من يكفر بهؤلاء الحكام كما يفعلون اليوم؟ ألم تكن هذه الشعوب تنتمي كلها إلى الإسلام وتستقي من مَعِين واحد؟ ألم يحرر الإسلامُ الناسَ بفكره ويحلّق بهم في آفاق العزة والكرامة؟ ألم يأمر الإسلام الناس أن لا يقبلوا بالذل والإهانة؟ أوَلم يأمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنكار المنكر؟ وأن لا يكتموا الحق وهم يعلمون؟ ألم يأمر الإسلام الناس بأن يرفعوا السيوف في وجه ظالميهم إن لزم؟ أوَلم يعلّمهم الإسلام المقاييس التي يقيسون عليها أعمالهم فيميّزون بها بين الحق والباطل والصواب من الخطأ والخبيث من الطيب؟
فلماذا بقي مئات الملايين من المسلمين كل هذه الأزمان تحت الظلم والقهر والتعذيب والإهانة والذل والقهر وهم يعلمون؟
إنه من الضروري معرفة لماذا لم ينكر الناس حالهم منذ ما يقارب قرن من الزمان، ولماذا كانوا يهتفون بحياة رؤسائهم وملوكهم، ولماذا كان وما زال كثير منهم يشارك ظلم الحاكم بالعمل مع أجهزته القمعية والتجسسية والاستخباراتية، ولماذا كان وما زال بعضهم يدين بحياته وعمره لهذا الحاكم أو ذاك ويواليه؟ ولماذا يقبّل بعض المنتفعين منهم الأرض التي يمشي عليها الحاكم، لماذا كل هذا الأفعال الشركية على طول هذا الزمان؟ حتى كان أكثر آبائنا أو ما زال كثير منهم يدندنون بحياة الحاكم ويسبحون بحمده، أو على الأقل يكتمون الجرائم التي يقوم بها الحاكم، ويؤولنها إلى خير؟
لو نظرنا إلى كل ذلك بنظرة تحليلية واعية لوجدنا أن الأمة تدَهور حالها قبل هدم دولة الخلافة في 1342هـ 1924م تدهوراً سياسياً وفكرياً خطيراً، سمح لكثير من الخونة أن يتحالفوا مع الدول المستعمرة ضد دولة الخلافة، مما أدى إلى تفكك البلدان الإسلامية وتقسيمها، وعزل كل واحدة منها عن الأخرى بثرواتها وخيراتها وأهلها ومفكريها وعلمائها، ثم تدهورت حالة الشعوب الاقتصادية، وانهار بناؤها العسكري والاجتماعي والنفسي.
ثم تفلّتت الأمور، وبات المسلمون يُحكمون في بادئ الأمر من دول الغرب بالحديد والنار (على رأسهم بريطانيا وفرنسا الأعداء الأصليّون)، وأمعنوا في المسلمين القتل واستباحة الدماء والأعراض والأبناء، وعلى وجه الخصوص في حق من تبقى لديه شيء من النخوة والغيرة على حكم الإسلام، ثم قامت حركات كفاحية مسلحة عديدة مخلصة في الشرق والغرب مناهضة للاستعمار والاحتلال، كادت ستنجح لو قُدر لها امتلاك سلاح أفضل، حتى استوت الأمور للكافر المستعمر،،، ثم نامت موجة الإنكار على هدم الخلافة، وعاد ظهور موجات إنكار على وجود المحتل الأشقر في صورة مقاومة داخلية سرية مسلحة،، فعرف الكافر المستعمر كيف يلتف عليها ويحتال، فقام بالانسحاب من بلدان المسلمين، بعد أن حلّ محلّه أولياءَه وحلفاءَه، رجالاً سُمر البشرة يشبهون المسلمين، وهم ليسو منهم، فانخدع المسلمون بهم ورضوا وسكتوا.
وهكذا انتصر الكافر المستعمر على شعوب المسلمين بالمكر والخديعة والدهاء، بعد أن قسم بلدان المسلمين إلى دويلات كثيرة، وبعد أن هيأ كل واحدة منها تهيئة تناسب مصالحه وهيمنته فيها،،، وبعد مسرحيةٍ لعب فيها المستعمر دور المنهزم أمام الحاكم الذي ألعبته دور المحرّر البطل، ترك البلاد تحتفل بنصرٍ مزيف سُمّي بالاستقلال على شرط الحدود المتفق عليها مع وليها الحاكم، ومتفقٌ عليها مع منافسيها من دول الاستعمار الأخرى.
ثم ما لبث أن استتبت الأمور لهذا الحاكم البطل! حتى عزّز سلطانه وسلطان حزبه من الشياطين ممن يحملون نفس عقليته ونفسيته ويسيرون في دربه، ويحملون مثله أرواحاً شيطانية في داخلهم، بعض من هؤلاء كانوا من أهله وأقاربه، وبعضهم كان من المنتفعين من الشعب، حتى ظهور على الملأ،، وهكذا غرزت الشجرة الخبيثة الملعونة جذورها في الأرض الخصبة، وتعزز رسوخها واشتد عودها على حساب دماء وحرية الشرفاء من الشعوب ونُخَبهم، وعلى حساب ترمل النساء وتيتم الأبناء، وقهر الشيوخ والعجائز، وتهجير العقول، وقهر المفكرين وسجنهم وتعزيرهم، وعلى حساب تدمير كل خطوط النهضة، وإطفاء كل بارقة من أبرق النهضة التي تُوعد بالاستغناء عن الكافر المستعمر أو أحد إنتاج مصانعه، أو مزارعه.
وهكذا كان لهؤلاء الحكام الذين غُرسوا هنا وهناك، دور عظيم في تحطيم الشعوب علمياً وفكرياً، وتغيير هويتهم الإسلامية، ثم إذلالهم وإفقارهم وقهرهم، ونهب ثرواتهم وتدمير مصانعهم ومزارعهم، والوقوف حائلا دون نهضاتهم الصناعية والزراعية وغيرها، مما زاد ذلك في إفقارهم وبطالة شبابهم، وعنوسة نسائهم ورجالهم، وتدهور أوضاعهم الصحية والمعيشية، وهكذا يفعلون.
أما في الجانب الآخر ذهبت أوروبا وأمريكا ترفل في رخاء عظيم، تنظر إلى الشعوب الإسلامية من منبرها ضاحكة وساخرة، تصب أنهار من الأموال وينابيع من الثروات في حسابات بنوكها، وتُعين عميلها عن بعد وعن قرب بمستشارين وخبراء وعلماء في الشر ليعرف كيف يحافظ على كرسيه ألا يهتز، وسلطانه ألا يُنزع ولا حتى يُنازع.
لذا كان يجب أن يدرك الناس سابقاً واليوم حقيقة حكامهم الذين نصبّتهم أوروبا أو أمريكا على أقاليمهم، وأن يدركوا أن اللغة العربية هي مجرد لسان يتحدث به الحكام العرب، وليس هو بحال من الأحوال دليلاً على انتماءهم وولائهم للشعوب، والدين الذي يدعيه الحكام هو مجرد هوية تحافظ على وجاهة الحاكم وتدعم فكرة انتمائه للشعوب الإسلامية العربية.
أي أن هؤلاء الحكام لم يكونوا يوماً في هذا الزمان ينتمون إلى الشعوب الإسلامية العربية من ناحية عقائدية أو فكرية، وليسو كما يدعي الإعلام أنهم أحد أفراد هذه الشعوب، أو أن أحد الحكام قد اختاره شعبُ إقليمٍ ما من أقاليم الشعوب الإسلامية العربية الثائرة اليوم.
كيف عمل الحكام والاستعمار لإخضاع هذه الشعوب كل هذه العقود من الزمن؟
أولاً: عن طريق الأساليب القمعية الوحشية التي ذكرنا بعضاً منها.
ثانياً: إستخدام أساليب الخوف والتخويف التي أصبحت طريقة معلومة في سجن الناس داخل نفوسهم وشلّ حركتهم، وباستخدام الدوائر التجسسية والإرهابية.
ثالثاً: عن طريق إقفال كل ينابيع العلم العقائدي الإسلامي، وذلك بتوقيف العلماء وحلق العلم التي كانت سائدة في المساجد وفي كل زاوية من زوايا البلدان الإسلامية، وسجن واعتقال أيّ من العلماء ممن يتحدث ويطالب بالإسلام وحكم الإسلام، والتحرر من هذه العبودية،، ثم عن طريق لوي عنق الفكر الإسلامي في المدارس والجامعات، وكذلك عن طريق علماء السوء، ليكون فكرياً سطحياً لا يحاكي إلا الشعائر التعبدية فقط، ويلوي أعناق الناس له بقوة السلطان. ومن جانب آخر فتح جميع القنوات التي تخالف فكر الإسلام وعقيدته، بدءاً بتطبيق غير شرع الإسلام وتغيير عادات وتقاليد المسلمين إلى غيرها، وانتهاءً باستخدام السينما والمسلسلات التلفزيونية وبرامج القنوات الفضائية المنحرفة، ونشر الفكر الغربي ودعوات التحرر من الدين، ودعوات المساواة والديمقراطية الزائفة، ونشر أفكار المتع الجسدية الحرة وأفكار الرذيلة.
رابعاً: تحويل ولاء الناس من الإسلام وحكم الإسلام إلى الولاء للحاكم القائم، وولاءهم للوطن والقومية في الإقليم الواحد، والتعصب له ولسيادته، وترك الولاء للأمة الإسلامية الواحدة، والأرض الإسلامية الواحدة. وتحويله من خلال الأنظمة الداخلية والخارجية التي تخدم تفريق المسلمين، والحفاظ على قومياتهم المعزولة عن جاراتها.
وهكذا تم صهر المسلمين العرب في بوتقة من طراز معين قومي ووطني وانعزالي، وتم تغييبهم عن مطلبهم الحقيقي وهو الإسلام والحكم بالإسلام، وإشغالهم بالمطالب الدنيوية الدونية، التي لا تكفل لهم شيئاً من العزة والكرامة، بل تغمسهم في متاهات الذل والعبودية واللهث وراء الدنيا وتأمين الحاجات الأساسية.
قال الله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة2: {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}
وقال تعالى في سورة الصف 7: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
وفي حديث مرفوع عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ، قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي فَمَنْ أَتَى أَبْوَابَهُمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلا يَرِدُوا عَلَى حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ أَبْوَابَهُمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَسَيَرِدُونَ عَلَى حَوْضِي، يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ ، يَا كَعْبُ الصَّلاةُ قُرْبَانٌ , أَوْ قَالَ بُرْهَانٌ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ، يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ النَّاسُ غَادِيَانِ : فَغَادٍ فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ فَمُعْتِقُهَا ، وَغَادٍ فِي هَلاكِ رَقَبَتِهِ فَمُوبِقُهَا
نأمل ان يكتب الله الخير للامه الاسلاميه وان لا يتم الالتتفاف على هذه الثورات كما حدث في الماضي فالعالم الاسلامي كان في نوم عميق
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفالاخ الفاضل / د. محمد سعيد التركي المحترم
كلماتك وتحليلك لمواقف الشعوب العربية وحكامها في الصميم ولكن هذا هو الواقع الحاصل ولن يتغير حتى تغير الشعوب ما بداخلها . والذي سيحكم في المستقبل تكون نظرته للتطوير وهي تطبيق تعاليم الاسلام بالحرف الواحد في دستور البلاد (يطبق الشريعه الاسلامية في جميع نواحي الحياة ) وسترى شعوبا تناطح السحاب ويشار لها بالبنان . فكيف بنا نرى الشعوب الغربية تحفظ لمواطنيها الكرامه على الاقل ونرى فعال الاسلام لديهم ونحن مسلمين ولا نرى الا فعال الشياطين والكفرة وجميع اساليب القمع وكبح الحريات مع مواطنيها فاصبحنا خدم ومتخلفين في نظر العالم واننا عالم ثالث سبحان مغير الاحوال .
والله ثم والله ثم والله لو اتت دوله وطبقت تعاليم ما جاء في الكتاب والسنه لنهضت شعوبنا عاليا وبسرعة البرق . فلا بد من التغيير الداخلي اولا للفرد وياتي تباعا المجتمع والامة الاسلامية ... وصدق الله العظيم حيث قال (لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ) . وقال ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ففي الاتحاد قوه والتفرق ضعف وخيبه ....