الحلقة الواحد والعشرون - طريق الإيمان - إ ثبات وجود الله

-->

لقد أصبحت عملية إثبات وجود الله مسألة ذات أهمية بالغة بالرغم من أن إثبات وجوده ليس في حاجة إلى كثير من العناء، فالشعور بوجود الله سبحانه وتعالى تحكمه الفطرة المخلوقة في الإنسان، أي هو أمر غريزي يشعر به الإنسان، وليس في حاجة إلى كثير من العناء، وقد وجد كل من فتح عينيه على الإسلام ونشأ في أحضانه الراحة والإطمئنان بالإجابات التي حصل عليها في تفسير مسألة خلق الكون والإنسان والحياة، وعلى وجه الخصوص عندما كان حكم الله قائماً، وعندما كانت دولة الإسلام تعمل على فتح كل الأبواب والنوافذ والقنوات لطلب العلم العقدي وتدريسه، ولمجادلة أمر العقيدة وما يتعلق بها، ومجادلة الأفكار التي تخالفها.

فكان سهلاً على الإنسان أن يتلقى العلم فيما يتعلق بأمر وجود الله ويجادله ويمحص الحق فيه، فضلاً عن كونه مطبقاً في الواقع من خلال أحكامه ونظام الإسلام، وقرب فكرة وجود الله إلى العقل والقلب، بأن يرى الإنسان عدل الله ورحمتَه وكرمَه وحكمتَه وقدرته وحبَّه لعباده، وذلك من خلال نظامه (أي دينه) الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وكان سهلاً على المسلم في حكم الإسلام أن يرى النقيض من الإسلام عند الأمم الأخرى، وأفكار الكفر بوجود الله، ومآلها الخسيس عليهم وعلى المجتمعات والأمم غيرهم.

ذلك الواقع كان مُيسِّراً ومُقرِّباً لعقول الناس وقلوبهم ومشاعرهم بوجود الله، وبالقرآن وبرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بخلاف الواقع الحالي الذي تعمل كل ظروفه بإبعاد العقول والأفهام والقلوب والمشاعر بوجود الله، وإبعادها للتعرف على دين الإسلام على وجهه الحقيقي، بل وبالتدليس على الناس والإصرار بالعمل على إثبات عدم وجود الله، وأن الكون هذا كله مادة ليس لها خالق، وهي التي خلقت نفسها، فلا وجود بزعمهم لخالق للكون والإنسان والحياة.

نعم لقد إضطررنا للحديث عن إثبات وجود الله إضطراراً، وذلك لأن كل القناعات باتت تتحول في يومنا عن الإيمان بوجود الله بالإنكار على الفطرة السليمة والتشكيك فيها، وبسبب قفل أبواب العلم الجدلي العميق المستنير بطريقة التلقي من العلماء الربانيين، وبسبب إزاحة حكم الله من الواقع، وبسبب فرض فكرة المادية (عدم وجود الله) على عقول الناس وأفهامهم عن طريق القنوات العلمية والتعليمية والأكاديمية وغيرها، وعن طريق وسائل الإعلام والقنوات الفضائية والأفلام الأمريكية وغيرها.

وجود الله، بالرغم من شعور الإنسان به ووجوده في فطرته، إلا أنه يجب على الإنسان أن يثبت وجوده عقلاً، فالفطرة لوحدها لا تكفي لهداية الإنسان، لأنها قد توصله إلى عبادة النار أو الأوثان أو الشجر أو المطر أو غير ذلك كثير.

ولقد تحدثنا عن الإثبات العقلي المستند إلى الحواس، كالذي يرى سيارة أمامه ويدرك وجودها وماهيتها (وهذا هو الدليل العقلي)، أو كالذي يرى سيارة أمامه ويؤمن بوجود طاقة (بنزين، مازوت، كهرباء أو غيره) تحركها وهو لم ير الطاقة، بل وبإمكانه أن يستدل بمن صنع هذه السيارة، الله أم الإنسان، ويستدل عن ماهية وطبيعة صانعها وقدرته ومستوى إبداعه وهو لم يره (وهذا ما يسمى الإستدلال العقلي)، فالدليل والإستدلال العقلي كلاهما واحداً.

وهكذا فبالإمكان الاستدلال حتماً بوجود خالق لهذا الكون، والاستدلال حتماً بأن هذا الكون عاجز عن أن يخلق نفسه، فهو كائن عاجز على أن يقوم بأي فعل، قليله أو كثيره، فضلاً على أن يخلق شيئاً أو أن يخلق نفسه، والاستدلال حتماً أن هذا الكون إنما هو خلق عظيم ومُعجِز ورفيع الصنع ومُحكم، ومُطلق الإبداع والإتقان، كما نرى في خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان والحيوان والنبات، وليس هو خلق عشوائي مضطرب متداخل المقاييس الرياضية والفنية وبلا ضابط ولا إتقان .

بهذه الكيفية يستطيع الإنسان حتماً أن يدرك وجود خالق لهذا الكون، بل ويستطيع أن يدرك صفات هذا الخالق من خلال عظمة الخلق، وإدراك مستوى إبداع هذا الخالق، وقوة حكمته ومنتهى عظمته، هذه هي الطريقة العقلية السليمة في التفكير والبحث عن وجود خالق لهذا الكون وهي الطريقة التي توافق فطرة الإنسان وميوله الغريزية.

هذه هي الطريقة العقلية السليمة التي يُستند إليها عادة في التحقيق والبحث في أعقد الأمور وشائكها، ومن خلالها تستنتج أعظم الحقائق، وهي الطريقة التي لا يصلح بدونها الوصول إلى وجود الله والإيمان به خالقاً وموجدا للكون والإنسان والحياة، وهي الطريقة التي أمر الله عباده الإستناد إليها في إيمانهم به ودخولهم في الإسلام، وهي الطريقة التي أعجزت كل أصحاب العقائد الأخرى بجرأتها ووضوحها وقوتها وخلوها من الأوهام والخيالات، وهي الطريقة التي إستمد الإسلام وعقيدته قوته منها.

إلا أن هذه العقيدة بعد أن غُيّبت كما ذكرنا وتعرضت للتشويه والتحريف، وأدخل الكفار من الشيوعيين وكافة الملحدين وغيرهم فلسفاتٍ قوية تناقض فكرة وجود خالق لهذا الكون والإنسان والحياة، كفكرة التطور المادي، وفكرة "من خلق الخالق؟"، وفكرة نشوء البيضة أولاً أم الدجاجة، هذه الفلسفات للأسف لم تجد من يرد عليها من كثير من علماء المسلمين أو خاصتهم أو عامتهم.

فكرة التطور المادي هي فكرة أن الكون كله كان كتلة صخرية واحدة، انفجرت قبل بلايين السنين، وكوّن هذا الإنفجار مجموعات شمسية متعددة ومتفرقة تعلقت في السماء، كل مجموعة كان لها فلك خاص بها، منها المجموعة الشمسية التي نعيش بها، حيث كان من نصيب الكرة الأرضية أن تعرضت لظروف بيئية خاصة أنتجت الخلية الأميبية الأولى، التي هي منشأ الحياة على الكرة الأرضية وهي منشأ كل المخلوقات الحيوانية، مروراً بالزواحف التي أصبحت ذوات أربع، ثم أصبح بعضها قروداً، ومن القرد نشأ الإنسان.

هذا السخف النظري الذي قام به الكافرون أياً كانوا وبعد أن ضللوا الناس قرناً من الزمان، ثبت علمياً ناهيك عن ثبوته عقلياً في آخر المطاف، ثبت على لسانهم هم أن هذه فكرة لا أساس لها من الصحة، لا من حيث الجينات الوراثية، ولا من حيث تطور الجينات، ولا من حيث نشوء المعلومات السابقة التي تتكون في الدماغ، ولا من حيث تطور عقل الإنسان المميز عن باقي المخلوقات، إضافة إلى حقائق عديدة لا طائل لها، تثبت حتى للأعمى أن خلق الكون والإنسان والحياة هذا يستحيل أن يكون نتيجة عشوائية متراكمة، أو كما قالوا نتيجة صدف متتالية ومتراكمة.

أما فكرة من خلق الخالق فهي فكرة عقيمة تظهر من السؤال نفسه، وخدمتها هي التشويش على عقل الإنسان السّوي، فالخالق لا يمكن أن يكون مخلوقاً وخالقاً في آن واحد، أي لا يمكن أن يكون هناك من خلقه ويقوم هو بخلق غيره، لأن المخلوقات يجب أن تكون مخلوقة من عدم وليس من تجميع مواد الخلق من خالق آخر، أو من خالق أكبر منه أو دونه، فالخالق لا بد أن يكون هو الأول والآخر، لا قبله أحد ولا بعده أحد، وإسم الخالق لا يعني إلا قدرة خلق الشيء من العدم، بقدرةٍ ليست كقدرة المخلوقات الضعيفة العاجزة التي لا تقوى حتى على خلق ذرة تراب، بل تستند هي في وجودها إلى خالقها من ناحية أصل منشئها وطبيعة نموها وتطورها وحتى فنائها ، ويظهر عليها العجز وهي تستخدم ما سُخّر لها من مواد للصنع، فتقوم بتجميعها وتوليفها وتطويرها، فآلة هنا وجهاز هنا وطائرة هناك يخدم مصالحها . 

فالخالق بالتالي واحد غير متعدد، ولا يستقيم في صفة كونه خالقاً أن يكون مخلوقاً كصفة مخلوقاته، وإلا كان عاجزاً عن الخلق، ولا يستقيم في صفته أن يكون هناك خالق غيره، أو مكافيء له. وسبحان الله العظيم.

قال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة، آية 164
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون

وقال تعالى في سورة غافر 57
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون

وقال تعالى في سورة الأنعام آية 73
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ، قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير

هناك 7 تعليقات:

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على اشرف خلقه محمدٍ وآله الغر الميامين ...
    السلام عليكم اخي الكريم ورحمة الله وبركاته ... في البدايه احب ان اقول لكم اسمح لي ان اختلف معكم في هذا الامر وهو اثبات وجود الله جملةً وموضوعاً فحاش له ان اكون انا اضعف خلقه ان استطيع ان اثبت وجود خالقي ومن انا وما هو مقداري من العلم لاثبت من هو علمه حضوري وعلمي كما تعلم كسبي ولا اريد الاطاله في موضوعة العلم ولكني اقول لكم انه في حقيقة الامر لايوجد في الله شك اصلاً والذي يشك في وجود الله هو ليس ملحد وانما هو كافر كاذب لانه اراد الهروب من التوحيد ليتخلص منه وانه يحاول نقل الحوار من الشركاء إلى الإله الواحد نفسه أي أنه يهاجم الواحد ليتخلّص من التوحيد مدّعياً الشكّ في الواحد ودليلي على ذلك قوله عز وجل (قالت لهم رسلهم أفي الله شكٌّ فاطر السموات والأرض) وان هذه الآية ليست للدلالة على وجود الله ، بل للدلالة على أن هذا الوجود ( ليس فيه شك ) وبالتالي لا وجود لمنكرٍ لحقيقة وجود الله . فكلُّ منكرٍ لوجود الله كذّاب وان الايه فيها استفهام استنكاري وهذا الاستفهام يدل على انعدام الشك اصلاً فهي بذلك تعني انها لاتتحدث عمن يشك بل تتحدث عن انعدام الشك اصلاً ( أفي الله شكٌ !!؟) وبالتالي لا وجود لحامل لهذا الشك ولو تدبرنا هذه الايه فان فيها مفاتيح لكثير من الامور ومنها نفي الشك او الشاك بالله جل وعلا وكذلك فان كلمة فاطر السموات والارض تعني ان كل من فيهما هو مخلوق من قبله تعالى والفاطر كما تعلمون تعني انه مبتدعها وتمام الايه هو(قالت لهم رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمىً قالوا إن أنتم إلاّ بشرٌ مثلنا تريدونا أن تصدّونا عمّا كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطانٍ مبين) فلم تقل الامم التي سبقتنا بالتاريخ وبالكفر والشرك بالله ان لهم شك بالله وانما جاء الشك بالمرسلين صلوات الله عليهم لان الايه التي سبقتها كان قول الذين كفروا والذين اشركوا هي الشك بما ارسلوا به وليس بالمُرسل عز وجل والايه هي (قالوا أنا كفرنا بما أرسلتم به وإنّا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه مريب) فلاجل ذلك قالت الرسل (افي الله شك) لازالة الشك وانه لوكان هناك ادنى شك بالله تبارك وتعالى لما كان هناك من فائده من الحوار والنقاش اصلا

    ردحذف
  2. ولاصبح باقي الكلام من الانبياء صلوات الله عليهم عبثاً (حاشاهم) ولما كان هذا الحوار عقلياً وذهنياً طلبوا دليلا مادياً من الانبياء (فأتونا بسلطن مبين) اي أأتونا بدليل مادي ملموس لنؤمن لكم فاجابوهم الانبياء بانه من آمن بالدليل العقلي فليتوكل على الله ومن لايؤمن فهو وربه (وما كان لنا أن نأتيكم بسلطانٍ إلاّ بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وعلى هذا الاساس فان قولكم في الحلقه رقم 20 من السلسله (لابد أن تكون لدى الإنسان القناعة المطلقة بإحدى الحقيقتين، بوجود خالق لهذا الكون أو بعدم وجود خالق، ليس له الخيار إلا بتبنّي إحداهما والعيش على أساس هذا التبني) فهو ليس دقيقاً وحسب ماذكرته لكم سابقاً اما قولك ان طريقة الاثبات تعتمد اعتماداً كلياً على المحسوسات فالعقل وحسب نصوص قرانيه كثيره هو من يخطيء اما القلب ففيه الثواب كل الثواب وفيه الفطره فهو المصيب دائماً فلو تركنا القول بالقران ولجأنا الى العقل لكان خطأنا اكثر من صوابنا فدين الله لايقاس بالعقول فكيف تكون معرفته جل وعلا وهي الاساس بالعقل وقد قال امير المؤمنين علي عليه السلام في نهج البلاغه (لوكان دين الله يقاس بالعقول لكان مسح باطن الكفين خير من ظاهرهما) وهذا في مسألة الوضوء فاذا كان الدين لايقاس بالعقل فكيف لنا ان نشك بوجوده .
    واحب هنا ان اسأل سؤالاً - وان كان كنظرة اولى يعد بعيداً بعض الشيء عن الموضوع الاساسي لكنه في صميم الموضوع – وهو هل ان محمد (ص) هو من دلنا على ان هذا القول هو قول الله ام ان القران دلنا على ان محمداً هو رسول الله فلو كان الجواب الاول لكفرنا وان كان الجواب الثاني فانه عين الايمان فهو (سبحان من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته) كما في الدعاء.
    • وفي الختام احب ان اقول لكم انني اختلف كثيراً في رؤياي لبعض المواضيع عن (السنه والشيعه) واعتذر عن هذا القول في هذا الامر فتفسير المفسرين من الجانبين فيه كثير من المآخذ عليهم لبعض الايات وهي مهمه في بابها ومنها تفسيرهم لمعنى سجين (ان كتاب الكفار لفي سجين وما ادراك ما سجين كتاب مرقوم ... ان كتاب الابرار لفي عليين وما ادراك ما عليون كتاب مرقوم )

    ردحذف
  3. فالله جل شأنه يقول كتاب مرقوم والمفسرين يقولون فيه اقوال كثيره غير الكتاب المرقوم لذلك اخي الكريم احب ان اشير اننا قبل ان نتخذ اي راي فعلينا الاعتماد على انفسنا في البحث والتقصي وفي نصوص القران البينه والتي هي تبيان لكل شيء وليس كما علمونا عليه وعاض السلاطين والجهله من الذين يسمون انفسهم علماء دين ومنهم الدين براء ان علينا اثبات وجود الخالق او غيرها من الامور التي لا دخل لنا بها وهي مخالفه لنصوص صريحه في القرآن وانا انما ضربت لك هذا المثال رغم بعده عن موضوعنا الاساسي لتكون لكم دليلاً على عدم صحة كثير من الامور التي فسرها المفسرون وابتعدوا فيها عن قول الباري جل شأنه في معنى سجين .
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

    ردحذف
  4. بسم الله الرحمن الرحيم
    أخي الكريم حسن أحسن الله إليك وإلى كل من يهمه أمر الإسلام مثلك وأمر العقيدة الإسلامية الطاهرة المطهرة
    لقد كانت دعوة نفي وجود الله موجودة منذ أيام سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه :
    (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) سورة الجاثية آية 24
    ولقد تطور وفشي أمر هذه الدعوة الإلحادية بإنكار وجود الله منذ أكثر من قرنين من الزمان على أيدي الأوروبيين وعلى رأسهم الفرنسيين بعد أن سئموا الدين السماوي الذي عبث فيه قساوستهم، فقاموا بمحاربة فكرة وجود الله، واعتبروها غير علمية لأن وجود الله لا يمكن إثباته بالعين المجردة (أي لا يمكن أن يروا الله جهرة والملائكة وأن هذه الكتب السماوية من عند الله)، ولقد قام الإتحاد السوفيتي (الساقط) أصلا على فكرة الإلحاد المباشر، وهاهي دول العالم أجمع اليوم قائمة على فكرة الإلحاد الغير مباشر(أي أن الدين متروك لحرية الإنسان و ليس له إعتبار في التطبيق العملي في الدول) .
    ولقد واجه علماء المسلمين من التابعين وتابعيهم ومن جاء بعدهم رحمهم الله ورضي عنهم، واجهوا أثناء الفتوحات الإسلامية كل هذه الإدعاءات بعدم وجود الله، وطبيعي أن الفتوحات الإسلامية لا تجبر الناس على الإسلام إنما تجبرهم أن يُحكموا بالإسلام لأنه شريعة الحق، وكان دور العلماء هو تعليم الناس من المسلمين وغير المسلمين وجدالهم في أمر الإسلام وجدالهم في إثبات وجود الله، وعندنا من الكتب لهؤلاء العلماء منهم إبن تيمية وأبو حنيفة وغيرهم كثير بل ربما كلهم ما يُغرق المكتبات في هذا الشأن الرئيسي، فالجدال في إثبات وجود الله ليس عيباً ولا محرماً ولا مكروها ، بل إنه شرعاًَ من الواجبات، وسيتبين لك لاحقاً من خلال الحلقات القادمة إن شاء الله كثيرا من المسائل المتعلقة بهذا الشأن.
    وسيتبين لك لاحقاً أن عقيدة الإسلام تتطلب الإيمان عقلاً بوجود الله وبرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك بأن القرآن من عند الله .
    فإن لم يؤمن الرجل عقلاً بوجود الله أصلاً، بالتالي فلن يؤمن برسالة سيدنا محمد وبأن هناك قرآناً ينزل على نبي .
    كلامك المليء بالغيرة على إلهنا الله سبحانه وتعالى، على مسالة وجوده جل وعلا، كلام حق وغيرتك في محلها، ولكن ما وهبك الله به من والدين يهديانك الطريق الصواب،

    ردحذف
  5. هذا لم يحصل لكثير من البشر، بل إن البلاد الإسلامية قد تعرضت إلى حملة شعواء ما زالت قائمة لتضليل الناس ونفي وجود الله جل وعلا أو تجاهل وجوده من التطبيق العملي أي تطبيق حكمه في الحياة.
    إن إنكار وجود الله هو كما سماه الله سبحانه وتعالى "كفر"، وكلمة كفر تعني "تغطية"، فالله سبحانه وتعالى حق ووجوده حق، وإنكار وجوده هو محاولة أحدهم تغطية الحقيقة بإدعاء باطل . ولذلك فإن دعوة الإلحاد دعوة منتشرة و واسعة وتتطلب منا نحن المسلمين أن نكون أوعى وأعلم الناس بالإجابة الحقة والصحيحة على الرجل البسيط وعلى الرجل الباحث وعلى الشاب المفكر والمتفكر في وجود الله وخلقه، والإجابة على الكافرين، والإجابة على من يبحث من النصارى وغيرهم عن الإسلام، والإجابة على الملحدين ودحض أفكارهم وتضليلهم، والإجابة على أنفسنا حين يحاول الشيطان بوساوسه أن يصرف الإنسان عن الطريق الصواب .
    هذا وأرجو الله أن يثبتنا على كلمة الحق وأن يعيننا جميعاً، إنه سميع مجيب الدعاء .
    أرجو منك متابعة الحلقات القادمة بعمق، وإذا كان هناك أسئلة أو إستيضاحات أخرى فلا تبخل على نفسك، ولا تبخل علينا بالدعاء لنا ، وتقبل فائق التحية والإحترام.

    ردحذف
  6. حسن الربيعي31 مايو 2009 في 9:03 م

    بالنسبه لما كتبته في موضوع وجود الله انا لم انفي من يقول بهذا القول وانما قلت ان من يقوله هو كافر كاذب لان الامم التي سبقتنا وحتى في عهد رسول الله قال المشركون عن الهتهم ( لتقربنا الى الله زلفى ) اذاً هم يؤمنون بوجود الحق تبارك وتعالى اما بالنسبه للذين قالوا (وما يهلكنا الا الدهر ) فلو تمعنتم اخي الكريم في الايه السابقة لهذه الايه الكريمه حيث يقول المولى جل شأنه (أفرءيت من أتخذ الهه هواه وأضله الله على علم ٍ...) اي انه يعلم ان الله موجود (وانا اقول موجود للدلاله فقط لا القصد بما تحمل الكلمه من معنى وانما هو واجد الموجودات جل وعلا) ورغم علمه هذا فقد كذب وكفر فأضله الله عز وجل لانه اتخذ الهه هواه اي اتبع الهوى اما ما عمله الفلاسفه المسلمين في السابق في الرد على (الملاحده) فهو وان نفع في تثبيت ايمان مؤمن وتمكينه من سلاح بوجه كافر الا انه في نفس الوقت لم ينفع كافراً وما غيّر من الأمر شيئاً لان هذا النقاش لم يكن له موضوع من الاصل وموضوعه الصحيح هو الشركاء وفي رسائلي السابقه لكم بينت لكم ان الكافر لايجادله لا الله جل وعلا ولا انبيائه عليهم السلام (إن الذين كفروا سواءٌُ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) وانما المجادله تكون للمشركين فقط وبينت الفرق بين المشرك والكافر وقلت في حينها ان الشرك عقلي يحتاج الى دليل اقوى من دليله ليؤمن صاحبه أما الكفر قلبي وأخلاقي اي يعرف الحق فيخالفه لا لشيء وانما لاجل المخالفه وانا معك ان الكفر هو تغطيه الحقيقه بادعاء الباطل واقول لكم اخي الكريم انني علي يقين ثابت أن من اراد الله ان يهديه فلن يظله المبطلون ومن اراد ان يظله فلن يفيده المؤمنون ولن يهديه احد ولو اجتمعوا وفي الختام اسأل الله عز وجل ان يحقق لك ما تصبو اليه مما لك فيها صلاح ولله فيها رضىً وقبول .
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

    ردحذف
  7. لقد تشرفت بمعرفتك أخي حسن ، وأنا هنا أضمك بحق إلى الأحباء الذين تحملهم نفسي
    وليس هناك خير من رجل أحب الله ورسوله محمد  وكان الإسلام أحب إليه من كل دنياه، وهو ينفع نفسه وأهله ومن حوله وينتفع به الناس أجمعين، وقول الرسول  واضح، (خير الناس أنفعهم للناس)، ولا أنفع للناس من رجل كان الله ورسوله والإسلام أحب إليه من ماله وولده ونفسه وأهله .
    إلا أن الحب لوحده والإخلاص لن يحصل ولن يكفي إذا ما إستند إلى العلم، والعلم قليله أو كثيره لا يمكن أخذه من الكتب في الأصل، وتلقطه من فيه هذا وذاك، بل الكتب ليست إلا للإستزادة بعد حصول العلم، وأصل العلم في حاجة إلى جدال ونقاش وشرح وتفهيم .
    ويشكل العلم القاعدة التي تستند إليها حياة الإنسان وعقله وفكره وقناعاته وإلى كل أعماله، وحياة الناس أجمعين، فإما علم لبناء حضارة ربانية، وإما علم يُستند إليه لبناء حضارة إجرامية .
    أما كيف يميز الإنسان بين العلم الذي ينفعه والعلم الذي يضره فذلك لا يكون إلا بالعلم اليقيني المستند إلى العقل. ولقد تعثر التعليم والعلم في العالم الإسلامي كله عندما أقفلت أبواب العلم من الحكام ، وأبدلوه بعلوم مدرسية مضللة لا تستند إلى العقل وإلى أصول العقيدة الإسلامية.
    في رأيي يا أخي حسن هناك الكثير الكثير مما يجب أن يتعلمه الإنسان تعلما وافيا، فإن كنت تريد أن تتخذ سبيلاً صحيحاً في سبيل طلب العلم ثم الدعوة في سبيل الله بالكيفية الصحيحة لتشبع ما أحسه عندك من عزيمة صادقة وبحث عن الحق أن تنضم إلى حلقة علمية تتحصل فيها على العلم بأصوله إبتداء من اصل العقيدة الإسلامية وأصول الفقه وإنتهاء بغيرها من الأصول، لأن التثقف المتعدد المشارب والمتحدث بالعموميات يسيء إلى عقل الإنسان أكثر مما يحسن إليه، ويربك هويته ومنهجه في الحياة، أضف إلى ذلك أن العلم إذا فقد الإيمان والتبني وفقد العمل لتحقيقه في واقع الحياة أي في الدعوة لجعله واقعاً مطبقاً فإنه لا قيمة له، ويصبح الرجل كالمستشرقين الذين يتعلمون الأصول ويعرفونها جيداً ولكن كثقافة يتداولونها ويستخدمونها لأهدافهم، وكذا ما نراه عند كثير من علماء السوء أصحاب العلم الواسع تجد ولاءهم وهواهم لغير الله سبحانه وتعالى .
    ولك مني فائق تحياتي وإحترامي

    ردحذف