الحلقة الرابعة - التربية ومقياس الأعمال


-->
التربية هي فن نقل الأفكار والمقاييس والقناعات لمستحقي التربية من الأفراد (الآباء والأمهات والأبناء) والمجتمعات،، أما مقياس الأعمال فهي القاعدة التي تستند إليها أعمال الناس وأقوالهم وآراؤهم ومواقفهم، فإما أن تكون التربية قائمة على الأفكار الإسلامية، وهذا الأصل في الإسلام وعند المسلمين، وإما تربية بأفكار ومقاييس وقناعات غير إسلامية (رأسمالية أو شيوعية) كما هو في الدول الغربية، أو تكون خليطاً سيئاً من هذا وذاك، كما هو في بلاد المسلمين كافة اليوم.

مقياس الأعمال، المقصود بمقياس الأعمال حين تكون أفعال الناس وأقوالهم وآراؤهم مستندة إلى قواعد معينة، كالتي حددها الشرع في الإسلام من الحلال والحرام، أو تكون قواعد غير محددة الهوية تستند إليها الدول ويستند إليها الناس (كما هو الواقع السيء في بلاد المسلمين اليوم)، أو تكون قواعد محددة أصلها وفرعها هو تحقيق المنفعة المطلقة (كما هو على الإطلاق في المبدأ الرأسمالي، في كل دول العالم اليوم بدون استثناء) أي بخلاف مقياس الحلال والحرام في الإسلام المقيد بالإيمان بالله ورسوله وأحكام الإسلام.

وبالتالي فإن كثيراً من المسلمين اليوم، وبالتحديد من الآباء، يعوّلون على المدارس في تربية أبنائهم، ويُلقون على عاتق المدرسة والمدرسين همّ التربية، ظناً منهم أن المدارس العربية أو غيرها، والمدرسين، يقومون كما تدعي الدول بمهمة التربية الإسلامية، ويجهلون أن الدول نفسها تتخذ مناهج تعليمية متعمدة لا يعتمد فيها على التربية الإسلامية وعلى مقياس الأعمال (الحلال والحرام)، فليس من مصلحة هذه الدول أن ينشأ الأبناء وتكون تربيتهم إسلامية على أساس مفهوم الشهادتين ومفهوم العبودية الصحيح، لأن نشوء شخصيات إسلامية عند هذه الدول الكرتونية يعتبر من المحاذير الشديدة القائمة، حتى لا تكون هذه الشخصيات يوماً خناجر في خاصرة حكامها، وفي خاصرة الدول المستعمرة.

إن التربية الإسلامية الصحيحة التي تُنشيء الشخصيات الإسلامية وتؤثر على سلوك المسلم فتجعله منضبطاً بالأحكام الشرعية تقوم على أسس محددة وهي كالتالي :

1) إثبات وجود الله، والتعريف الصحيح بخالق السموات والأرض
2) إثبات أن القرآن من عند الله وليس من عند محمد بن عبد الله
3) إثبات نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
4) التعريف الصحيح بالشهادتين كما ذكرنا
5) التعريف بمفهوم العبادة كما ذكرنا
6) التعريف بالشرك كما ذكرنا
7) المفاهيم المتعلقة بالعقيدة كمفهوم القضاء والقدر، ومفهوم الهداية، ومفهوم الرزق، ومفهوم إنتهاء الأجل، ومفاهيم أخرى

أما مفهوم مقياس الأعمال المرتبط إرتباطاً مباشراً بالتربية الإسلامية، فهذا يتعذر بل يستحيل على المدارس في كل البلاد الإسلامية بواقعها الحالي، أن تعلّمه أبناءنا أو أن تبني شخصياتهم على أساسه، وذلك يعود أولاً: لجهل المدارس نفسها لهذا المفهوم، وعدم وروده أصلاً في قواعد التربية عندهم، وثانياً: لأجل عدم رغبة المنهج التعليمي أن يصنع هذا المقياس في عقول الأبناء.

فمقياس الأعمال يعني أن يُبنى عقل الإنسان بكيفية يكون فيها إيمانه بأن كل فعل يفعله يجب أن يكون مستنداً إلى ما أمر الله به ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ونَهَيا عنه، أي أن الإنسان عندما يريد القيام بفعل يقوم فيقيسه على ما يرضي الله سبحانه وتعالى ولا يغضبه، أي على الحلال والحرام، وحيث أن الأحكام الشرعية تتضمن الواجب والمحظور(المحرم) والمكروه والمندوب والمباح، وجب أن تقوم التربية على هذا المقياس، فتكون أفعال المسلم مبنية ومبرمجة على هذه الأحكام الخمسة، ولا يكون مقياس أفعال الإنسان مبنياً على شيء آخر، كمقياس المصلحة مثلا (متع جسدية،جاه،سلطان،مال)، فيقدّم الإنسان بالتالي المصلحة على أحكام الشرع .

والحاصل أن المدارس والمدرسين لا يقومون بهذه التربية، بصناعة مقياس الأعمال هذا في عقول الأبناء، لأنهم إن فعلوا فسيخالف ذلك أفكاراً كثيرة ومفاهيم تريد الدول صنعها في عقول الأبناء والناس والمجتمع، كمفاهيم الوطنية والقومية، والولاء للحاكم (الملك، الرئيس) من دون الله، والخضوع لعبودية النظام الإقتصادي الرأسمالي، والولاء للأفكار الإجتماعية الغير إسلامية، ككشف العورات وإختلاط النساء بالرجال في الأماكن الخاصة، وكالعلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة، والعلاقات الشاذة، وكالتعاملات الظالمة في حق المرأة والزوجة والإبنة والإبن، والخضوع والولاء لأفكار كثيرة ومفاهيم مخالفة لعقيدة الإسلام، وما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أحكام.

هذه التربية المخالفة لأصل الإسلام وفروعه، من شأنها إفراز شخصيات غريبة في الأمة، بعيدة كل البعد عن الشخصيات القويمة الإسلامية، التي يُعوّل عليها في العيش بالإسلام وحمله ونشره وبناء حضارته. 

وقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم :
" وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا" (ما : هي "ما" الشمولية)
وقال رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :
"عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) ، حديث صحيح"

هناك 6 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله
    كثيرا ما نسمع عن تحليلات لمشاكل لا حصر لها مرتبطة بمجتمعاتنا الغير واضحة الهوية، فلا نستطيع وصفها بالمسلمة لأنها في كثير من النواحي لا تمت للإسلام بصلة! وعلى هذا وحتى لا أقع في نفسي الفخ وأبدأ في إعطاء تحليلات، حبذا لو بدأنا في طرح حلول عملية لكل أو بعض هذه المشاكل. أقول عملية لأن التفكير في أن تغييرالأنظمة الحاكمة لن يغير شيئا ولن يساهم في حل المشكلة بل سيقلب العالم الإسلامي الذي تعصب به أعاصير الفوضى السياسية والامنية، الى دمار شامل. فليس هناك نماء وازدهار من غير استقرار سياسي وأمني. فالإسلام ضد الفوضى والتخبط كما شدد في عقاب المفسدين في الأرض فالنار لا تطفأ بالنار. قال تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم))

    أفكار ومبادئ الخوارج الثورية والانقلابية الهدامة أضعفت قوه العالم الاسلامي في الماضي ومزقته إلى أشلاء، وقد كان العجب في وصفهم في أمر العبادة كما خبرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام عنهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (صل وراء كل بر وفاجر). والحديث في هذا النطاق يطول
    الوضع الأمني في بلاد الأسلام مزري جدا في الدول التي لاتمر بظروف حرب من أي نوع كان، فما بالك بالدول التي تمزقها الحروب. هذه الأوضاع الأمنية الغير مستقرة دعت الكثير من الشباب المتعلم ومن ذوي الخبرات والمهارات لترك أوطانهم والهجرة إلى الغرب. حتى طلبة العلم الشرعي ، كثير منهم أضطر للمغادرة والعيش في الغرب هربا من اضطهاد حكوماتهم أو لغرض "التأمين على مستقبل أبنائهم"، مما ساهم في الهبوط بالمستوى التعليمي في ديار الأسلام.
    والحل؟! في نظري أن يبدأ كل فرد في إصلاح نفسه أولا. الأخلاص في العمل والاجتهاد في سبيل أتقان العمل. فالعالم الاسلامي لاينقصه الموارد و لا الأيدي العاملة ولا حتى المواهب، ولكنه في حالة قحط وجفاف أخلاقي عظيمين وقد استفحل أمر الوساطات والرشاوي والاختلاسات والتدليس في السلع و...و ...الخ. وحتى بين الفئة التي تتورع عن هكذا سقطات، أين الهمة والأخلاص في العمل ؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)
    كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
    سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

    ردحذف
  2. أخي الكريم أبو السلام
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أتقدم بالشكر على رسالتك الطيبة ، ولقد وعيت ما بها، ومن خلال سلسلة المعرفة التي تصلك يتبين تماماً ما أدعو إليه ، إن لم يكن في الحلقات التي وصلتك ففي الحلقات التي تليها
    ثروات الأمة المسلمة "وليست الإسلامية" قد تبددت كما ذكرت وتبدد معها أو قبلها شيء كثير وعظيم ، وذلك بغياب دولة الإسلام وغياب تطبيق أحكام الإسلام بعد أن تسلم زمام بلاد المسلمين الكفار المعتدين ومن عاونهم وناصرهم من خونة بلادنا وغيرهم بعد سقوط الخلافة
    الحلول العملية في هذا الصدد ليست كما ذكرت من إشعال نار فوق نار ، وإنما هي كما فعل سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه حيث لم يقاتل كفار قريش أو يناجزهم بالسيف، وإنما عمل على نشر الإسلام بالدعوة في كل الجزيرة العربية وما وراءها قبل هجرته، حتى أتاح الله له جيوش الأنصار فأقام على أكتافهم وبأذرعهم دولة الإسلام
    فأسأل الله أن يبلغنا ونرى جيوش المسلمين وقد انحازت إلى الإسلام وإلى نصرته ونصرة أهله ، لتعود خلافة راشدة على منهاج النبوة كما كانت كما وعد بعودتها سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم
    وأولى خطوات العمل هو العلم، ولا يصلح العمل إلا بالعلم، والأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي .
    مع فائق التحية والإحترام
    أخوك

    ردحذف
  3. د. عبد الرحمن27 مايو 2009 في 1:30 ص

    يالله حي الدكتور محمد
    محتوى الحلقات رائع جدا
    لا حرمنا من تلكم الفوائد
    جزيتم الجنة
    بانتظار تعقيبكم

    ردحذف
  4. أخي الكريم الدكتور عبد الرحمن
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكرك على رسالتك اللطيفة وعلى حسن دعائك لنا، أسأل الله أن ينفعنا جميعاً ويثبتنا في كل أمر يحبه ويرضاه

    ردحذف
  5. والله يا دكتور محمد اننا نعيش في زمن نرى امام انظارنا، عقول ابنائنا فارغة مملوئة بالهواء او ملغمة بالافكار الوهابية العلمانية ولا نستطيع ان نحرك ساكن.
    ففي زماننا هذا العلم النافع ليس بالمتوفر.
    فماذا يفعل السمك من غير ماء هذه هي حال ابنائنا اسماك تائهة

    واني لا املك غير هذه الدعوة اوجهها الى الله عز وجل

    اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

    وجزاك الله خير اخي على هذا الكلام الرائع

    ردحذف
  6. أخي الكريم أبو القاسم حفظك الله ورعاك ومن تحب وبدد عنك الحيرة والقلق وعن من تحب
    سيأتي إن شاء الله قريباً الماء الذي نعيش فيه حياة كريمة تجمع شملنا وأبناءنا من التيه،، والثورات القائمة المباركة إن شاء الله عاقبتها خير للأمة جمعاء
    أهديك وأوصيك بكتاب ألفته في تربية أبنائنا التربية الفكرية السليمة وإليك هذا الرابط، تستشيع إنزاله بالمجان
    مع تحياتي والسلام عليكم
    http://www.arabicebook.com/Items/item-display.aspx?IID=2021

    ردحذف