الحلقة الثالثة والثلاثون - نظام الحكم في الإسلام


-->
نظام الحكم هو النظام الذي يُحكم به الناس، فهناك نظام الحكم الإسلامي "الخلافة" الذي يكون المشرع الوحيد فيه هو الله سبحانه وتعالى، ويُستند فيه إلى الأدلة الشرعية الأربعة، القرآن وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة والقياس، ويكون الخليفة فيه هو القائم المكلف على تطبيق هذا التشريع من الله سبحانه وتعالى .
ويقابل نظام الحكم الإسلامي في العالم أنظمة حكم سياسية أخرى كنظام الحكم الجمهوري "الديمقراطي"، ونظام الحكم الملكي أو الإمبراطوري، أو نظام الحكم الإتحادي.
أما نظام الحكم الجمهوري "الديموقراطي"، ففيه الحكم بالقوانين والأنظمة التي يختارها الإنسان نفسه، أي تختارها الشعوب بنفسها لتطبقها على نفسها، مع رفض أي تشريع آت من أي دين من الأديان أو حاكم من الحكام، أي تكون السيادة والحكم فيه للشعب كاملاً، فللشعب حق وضع الدستور والقوانين وله الحق في إلغائها. وعلى هذا الأساس يتكون النظام الهيكلي للدولة، على رأسه رئيس الدولة بمسمى رئيس، والنواب، ومجلس النواب المنتخب من الشعب الذي يقوم بعملية التشريع والتصويت على القوانين والأنظمة المقترحة وإقرارها، وغير هؤلاء من أجهزة الدولة.
أما نظام الحكم الملكي فهو نظام يكون فيه الملك، الوارث للملك، أو المنقض عليه بسلطان من الشعب كما كان عند بعض القياصرة والملوك من قبل، أو بسلطان من خارج البلاد كما في الدول الكرتونية العربية، في هذا النظام يكون فيه هؤلاء هم الحكام والمشرعين في آن واحد، والمقررين لكل أنظمة حياة الناس الإقتصادية والسياسية والإجتماعية وغيرها بالاستعانة غالباً بدساتير دول غربية أو شرقية أو غير ذلك.
وبين هذه الصور وتلك صورٌ بين هذا وذاك، ولكنها كلها تصب في نفس الإتجاه، وهو الحكم بأحكام من صنع البشر، بخلاف نظام الحكم الإسلامي الذي أصله وفرعه وكل ما يتعلق به مُنزل من عند الله سبحانه وتعالى دون سواه.
وبالتالي فإننا لا نستطيع أن نسمي نظام الحكم "إسلاميّ" إلا عندما يكون الإسلام بكل أصوله وفروعه التي وردت في القرآن والسنة موضع التطبيق كما ورثناها عن سيدنا الحبيب محمد صلوات الله وسلامه عليه، وأن يكون خاضعاً للهيكلة التنظيمية في الحكم التي تتوافق مع ضرورة تطبيقه كما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وطبقوه، وكما جعل الله ورسوله الكريم لأحكامه العامة الباب مشرعاً للإجتهاد والبحث والتطوير.
وبالتفصيل فإن لنظام الحكم في الإسلام أربعة قواعد رئيسية إن إختل أحدها لم تكن الدولة القائمة هي دولة الإسلام العظمى الموروثة: فالسيادة (أي التشريع) فيها وعلى رأسها يجب أن تكون لله سبحانه وتعالى وحده، ولا يكون شيء منها للشعب أو لملك أو لرئيس أو لغيره، كما بينا عاليه.
والقاعدة الثانية: أن يكون السلطان فيها للأمة الإسلامية نفسها، ولا يكون السلطان فيها للأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو لأمريكا وأوروبا أو لأحد أحلافهم، أو يستند على وجود القواعد الأجنبية أو الاستخبارات لأحد المحتلين أو المستعمرين في البلاد للحفاظ على كرسي الحاكم، لأن ذلك يتنافى تماماً مع حرية البلاد وإرادتها وإرادة حاكمها وإرادة شعبها فلا تكون دولة إسلامية ونظام الحكم فيها إسلامياً .
القاعدة الثالثة : تنصيب خليفة واحد من قِبل المسلمين على كل المسلمين كافة وبلدانهم كافة، فيكون له السمع والطاعة، وعليه من الأمة المحاسبة من خلال أحزابها الإسلامية، أو من خلال علمائها ومفكريها، أو مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية .
القاعدة الرابعة: سن الدستور وسائر القوانين هو حق من حقوق الخليفة، وذلك من خلال الأدلة الشرعية الأربعة التي ذكرناها آنفاً، وليس هو من خلال ما يفرضه الواقع أو فلسفة الحل الوسط، أو درء المفاسد، أو التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية، فيكون تبني الأحكام الشرعية هو من حق الخليفة وفرض عليه.
بهذه القواعد الأربعة يكون نظام الحكم في الدولة نظام حكم إسلامي، وما عداه فهو باطل وكفر حتى ولو تشبّه به .
وعلى هذه القواعد الأربعة تتشكل أجهزة الدولة الإسلامية: من الخليفة، ومعاون التفويض ومعاون التنفيذ، ومجلس الأمة، والولاة، وأمير الجهاد، والقضاء، ومصالح الدولة.
ولكل جهاز من هذه الأجهزة أحكامه في الشرع، والأدلة التي يستند إليها، لا مجال هنا لذكرها، ولكن بالإمكان الإطلاع عليها في كتاب "نظام الحكم في الإسلام"، وكتاب "أجهزة دولة الخلافة"، أو في كتاب "الدولة الإسلامية"، للشيخ تقي الدين النبهاني.
هذا هو نظام الحكم في الإسلام وهو الذي على أساسه يكون بناء الدولة الإسلامية بناء صحيحاً، وبنظام الحكم هذا تكون الدولة الإسلامية المرتقبة سياسياً وعالمياً دولة حقيقية، ذات سيادة معتبرة، وقادرة على أن تحمي المسلمين وتنهض بهم، وتعود بهم إلى قيادة العالم قيادة عادلة كريمة مطهرة، مكان دول العصابات الإجرامية القائمة في العالم اليوم، فتعيد إلى العالم توازنه وتنقذه من الفقر والجوع والمجاعات والحروب المدمرة بين قبائله وشعوبه ودوله.

قال الله سبحانه وتعالى في سورة النساء 59 :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
وقال تعالى في سورة النساء 65 :
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون بعدي خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : فوا ببيعة الأول فالأول، واعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم . رواه مسلم

هناك 5 تعليقات:

  1. أنا شخص يريد أن يتعلم و يستفيد بنفس الدرجة التي أتمنى أن أفيد بها
    و أثري المقابل

    أولاً
    الفكرة
    الفكرة و تطويرها يقتضي في نظري القاصر
    عدم إشتراط الخلافة أو إقامة الدولة كمسلّمة إبتداءً
    و إلا فنحن نتكلم عن وسائل إذن و ليس عن الفكرة المركزية التي يجب أن يسعى العقلاء
    من المسلمين على بلورتها
    و إنضاجها وفق نصوص الشرع
    و فهم الواقع بعمق و تطلع

    أما بخصوص حزب التحرير
    فقد ذكرت سابقاً
    كونهم منظرين و نظريين أكثر من أصحاب
    تجربة عميقة تستوعب الأمة
    و عليه فالإستفادة من نتاجهم الفكري مطلوب جدا
    مع ضرورة إخضاع الأفكار للتجربة
    و الاخذ و الرد

    المشكلة التي لا أكاد أفهمها في حزب التحرير
    هو تعطيل كل شيء
    حتى موعد إعلان الخلافة
    و هو قفز للمراحل
    و تعامل مع الواقع بسطحية ربما
    و إنعزال بارد و دعوى بأن المشروع الناجح
    هو ما يحملونه من أفكار
    و هي دعوى عريضة تحتاج إلى ألف دليل
    كي يؤمن بها الآخرون

    أنا أعرف أنك تحترمهم
    و تقدر أفكارهم
    وربما تنتمي فكرياً لهم
    و لكن هذا لا يمنع من التفكير في ما يقوله الآخرون
    عن الحزب
    و هو في النهاية مشروع
    و ليس المشروع الأوحد
    و هو خطوة
    و ليس الخطوة الحاسمة
    رحمة الله على الشيخ النبهاني

    أترك المجال لكم للتعليق سيدي

    ردحذف
  2. أخي الكريم ياسر
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    إن لم يكن لنا خير في ديننا وأخواننا فليس فينا خير لشيء في الدنيا، سعة صدري هي من الخلق الحسن الذي شرفنا به الله سبحانه و تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والفضل فيمن يتبع ما أمرنا به
    أما فكرة الخلافة فهي ليست صنيعة حزب التحرير أو غيره بل هي مما أورثها إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وإن تبناها حزب التحرير وغيره فحزب التحرير وفكرته وغيرهم صنيعة الإسلام، فإن أحسن حزب التحرير أو غيره فقد أحسنوا بالإسلام ولأنفسهم، وإن أساؤوا فهو صنع أيديهم وليس من الإسلام، إلا أننا بشر نصيب ونخطيء.
    وإذا صحت الأصول عند جماعة أو حزب فقد صحت أعمالهم حتى ولو أخطأوا في إجتهاداتهم، لأن الأصول تضبط الأعمال والأهداف والغاية واحدة وهي رضوان الله سبحانه و تعالى، وأما الفروع فلا تغير من الأصل شيئاً ولا تحرف الإسلام عن مساره الصحيح .
    فلو إتبع أحدهم جماعة أوحزب وقد غلب على ظنه صلاح عملهم يكون بذلك قد أبرأ ذمته أمام الله ،و إن كان عند من إنضم إليهم أخطاء أصولية أو فروعية وهو رجل صالح وعالم، فإنه ينفع الجماعة ويصلح شأنهم بعلمه وإخلاصة، ويكسب اجر صلاح الجماعة وأفرادهم وتصبح له سنة حسنة تعود عليه بثواب كل من يتبعها بسببه
    ولذا فلا يصح أن نكون أول أعداء إخواننا وأحبابنا وأعداء النقاط المضيئة في عالمنا الإسلامي وذلك بتركهم والبخل بنصحهم وتأييدهم والوقوف إلى جانبهم
    وإذا كان لديك بعض التساؤلات التي تحول بينك وبين حزب التحرير فعندهم من المواقع الشيء الكافي للإتصال بهم وسؤالهم مباشرة وإرسال أسئلتك إلى أميرهم إن لزم، وله موقع خاص على النت
    أما قولك أنهم منظرين فهذا الإتهام أجده عظيماً في حقهم، لأن المنظر هو الذي يأتي بنظرية فلسفية من صنع رأيه وفلسفته ويطرحها للتجارب والإختبار ، فإن أستطاع إمضاءها فقد نجح ، وإن لم يستطع فيأتي بغيرها، على هذا النحو هو عمل المنظر وهذا كفر صريح في الإسلام
    لذا أرجو أن تراجع نظرتك والتهم التي توجه من بعضهم إلى هذا أو ذاك وإطلاق إشاعات على هؤلاء وأولئك، والنتيجة أننا نصبح جسماً يحارب أعضاءه ويأكل نفسه
    في الختام ألفت نظرك لأمر وهو أن كثيراً من الأحكام الإسلامية منوط تطبيقها بوجود الحاكم الإسلامي، ولا يقدر العامة أو الخاصة ،بل لايجوز لهم أن يقوموا بتطبيقها دون خليفة أو إمام، فلا يمكن للمسلمين في أمريكا مثلاً أن يقيموا بيت مال المسلمين على الإطلاق، فبيت المال منوط بالدولة الإسلامية ولك أن تراجع ما أقول من كتب الفقه والسياسة الشرعية
    أرجو من الله الحليم الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويثبتنا على الحق وكلمة الحق آمين
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ردحذف
  3. السلام عليك ورحمة الله وبركاتهيادكتورمحمد:من اسباب مقتي للنظام الملكي انه لا رادع له أو لأولاده أو اعوانه او اصحابه او لعيبة الكوره لفرقهم او صبابين القهوه لحريمهم.. سؤالي هوا في نظام الخليفه لو في حالة أخطاء الخليفه ؟ أو احتجت ان اتظلم انا من الخليفه نفسه؟اين ؟ولمن اذهب؟

    ام حمزه

    ردحذف
  4. الأخت الكريمة أم حمزة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لا يجوز أن يكون مقتك لأي نظام أو حكم لأشياء تكرهينها، أو لا تعجبك أو لأنها لا ترينها مثلاً توافق النهضة الحديثة كما يبدو
    يجب أن يكون غضبنا ومقتنا منصباً على عقيدة الحكم وأصله، لأن العقيدة هي التي ترسم الأفكار والأنظمة والمشاعر، وبالتالي فإن عقيدة الدولة هي المقياس لكل ما يأتي بعدها
    فالحكم الملكي يستقي أفكاره وأنظمته وشرعه مما يرسمه الملك، كإله فوق ألوهية الله جل وعلا، فيرفع ويخفض ويأمر وينهى ويفعل ما يشاء ويقنن ما يشاء كما يشاء، وهذه كحالة فرعون وأمثاله لعنة الله عليهم أجمعين
    أما حكم الإسلام فكما وصفت في الحلقة ولا أوجه شبه بين هذا وذاك
    أما محاسبة الخليفة فهذا ممكن من مؤسسات وقنوات خاصة محددة تقوم على هذا الأمر، بل إن محاسبته في هذا العصر ستكون أيسر وأشد على الخليفة من قبل مع التطور الإداري العالمي الحاصل، وقنوات الاتصال السريعة القريبة والبعيدة.

    وللإطلاع على هذا الأمر بتفصيل فقد أوردت إسماً لكتاب إسمه أجهزة دولة الخلافة على الرابط التالي:
    http://www.hizb-ut-tahrir.org/index.php/AR/bshow/68/
    وبارك الله بك

    ردحذف
  5. نظام الحكم في الإسلام - صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) مطلب المسلمين الأعظم - د. محمد سعيد التركي

    http://alhoob-alsdagh.ba7r.org/t17101-topic#112762

    ردحذف