الحلقة الثانية والأربعون - النظام الاجتماعي في الإسلام – صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة)، مطلب المسلمين الأعظم - الجزء الثاني

-->

بديهي أن الرجل والمرأة في الإسلام هما أهم عنصرين في النظام الاجتماعي، حيث يُنظر إليهما بجنسيهما أنهما مخلوقين متماثلين لا فرق بينهما، خلقهما الله بكيفية معينة وبغرائز معينة لا تختلف فيما بينهما، وقدرة عقلية لا تختلف أيضاً، ولا يختلف معها قوتهما الفكرية، ولم تختلف في زمن من الأزمان، إلا أن الله عالج حياة الإنسان معالجة تتوافق بالكمال و التمام مع اختلاف جنسيهما، حفاظاً على سعادة كل منهما، وعدم شقاء أحد منهما أو كلاهما.
لا يمكن أن يُنكر على الرجل ميله إلى المرأة وحبه لها وحب النظر إليها، ولا يُنكر كذلك نفسه على المرأة، فهذه غريزة قد خلقها الله في كليهما، ولا يُنكر كذلك حبهما الاستمتاع الجنسي والعاطفي ببعضهما، فهذه فطرة الله، لا ينكرها إلا جاهل أو مغال أو مغرض، وصلة الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل أمر فطري يقوم على الميل الجنسي والحب النابع من غريزة النوع الذي يستحيل إنكاره.

إلا أنه في جانب آخر يجب أن يُدرك أن صلة الرجل بالمرأة في الإسلام صلة أخوة في الدين، وصلة تعاون في الحياة الخاصة، والحياة العامة وفي النهضة، وصلة مودة ورحمة في الحياة الخاصة، وصلة صيانة للعرض في الحياة العامة.

لذلك فقد وجه الشرع الإسلامي النفوس ولفت أنظارها وصب إهتماماتها في صلة ذات نوع خاص بين الرجل والمرأة أنها زوجة وأم لأبناء، وعضو تربوي منتج وفاعل في المجتمع، نظرة أكثر ما تكون يغلب عليها تقوى الله، لا حب التمتع والشهوات، نظرة مسلطة على الزوجية، لا على الاجتماع الجنسي، بخلاف أصل النظرة الغربية للمرأة والصلة بها (أنها جسد جنسي متحرك يحسن إستغلاله ماديا وجنسياً).

وعلى أساس هذه الصلة بالمرأة فقد شرع الله أحكاماً في طريقة لبس المرأة وسترها، وتعليم الرجل غض البصر عنها، وماهية النظرة إليها، وكيفية التعامل معها على أصل أنها زوجة أو أخت أو أم، لكل واحدة منهن أحكام تخصها، وليس على أصل أنها أجسد شهواني متحرك يجدر تبرجه وتزيينه وتعريته ليشبع غريزة النوع عند الرجل، كما هو في المفهوم الغربي، الذي فتح بهذا المقياس كل القنوات التي تصب في اختلاط الرجال بالنساء بدون قيود، وإعطاء الفرصة للمتعة المطلقة وممارسة الجنس بحرية مطلقة، بل وجعل جسد المرأة وصوتها ورقصها وحركاتها سلعة تباع في الحياة العامة، فضلاً على أنه من الفن الذي يُكرّم صاحبته تكريم العلماء والمفكرين والأدباء وعِلية القوم.

النظام الاجتماعي في الإسلام يستند على الإيمان بالله بشكل كلي، ولا يستند إلى القناعات الشخصية من الأفراد بصلاحية هذا الحكم من ذاك أو عدم صلاحيته، فهو نظام قرره الله سبحانه وتعالى لعباده، فإما أن تطبقه دولة مع أنظمة الإسلام الأخرى تطبيقاً كاملاً غير منقوص ولا محرف، ويقبله مجتمعها وأفرادها قبولاً حسناً عن إيمان ورضى، وإما فلن يكون هناك نظام إجتماعي إسلامي.

فعندما يمتنع كل من الرجل والمرأة عن الخلوة المحرمة، فإنما يمتنعان عنها لأنهما يؤمنان بالله ورسوله، وكذا عندما يمتنعان كلاهما عن النظر كل منهما للآخر نظرة محرمة، أو عندما تمتنع المرأة عن التبرج والزينة أمام الرجال الأجانب، أو عندما يمتنعان عن الالتقاء الجنسي المحرم وعن فعل الفاحشة، فهما لا يمتنعان عنها إلا لنفس السبب وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى وشريعته، هذه الأفعال وغيرها يجب أن تنطلق من الإيمان بصدق هذه الأحكام واليقين بعدم صلاحية غيرها للإنسان، رجلا كان أو امرأة.

تنظيم صلة المرأة بالرجل والرجل بالمرأة، وتعريف الحياة العامة وتعريف الحياة الخاصة، وكيفية علاقتهما في هذه الدائرتين، هو من الأمور التي جهلها الناس اليوم في الحياة الاجتماعية الإسلامية، فقد أقر الإسلام اجتماع الرجل والمرأة في الحياة العامة، وأقر عمل المرأة ومشاركتها في كل الأعمال التجارية والصناعية والزراعية، أي مشاركتها جنباً إلى جنب مع الرجل في كل أعمال النهضة، ولم يأمر الإسلام ولم يقطع، كما يدعي المغالون بعزل المرأة أو فصلها عن المجتمع، أو عن الحياة العامة والأعمال، بل قد أقر اجتماع الرجال بالنساء في الحياة العامة وجعل لها ضوابط وأحكاماً تنظمها، كمنع مزاحمة الرجال في الأسواق، وجعل صلاة المرأة في المسجد خلف صفوف الرجال، وغير هذه الأحكام.

وعرف الإسلام الحياة الخاصة وبين أحكامها وجعل لها ضوابط ومشروطة بشروط تحفظ جواً من الصلة والرحمة والمودة بين الزوجين وبين من يشترط لصلتهما من صلات أخرى من الأهل والأرحام، دون أن تؤدي هذه الصلة في الحياة الخاصة إلى فساد الكيان العائلي والأسري، ودون أن يُحدث منعها ما أحدثته قطع الصلات العائلية التي تسببت في قطع صلة الرحم وقطع صلة القربى، بسبب اختلال فهم الأحكام الشرعية المتعلقة بالحياة الخاصة.

أما قوامة الرجل التي أعطيت في الإسلام للرجل فهي ليست لأن يتسلط الرجل على المرأة ويقهرها ويطوّعها كما يشتهي، ويستخدمها لما يحب، أو أن يأخذ مالها أو أن يقهرها، بل إن الله جعل كل الأحكام، التي لا يتعلمها الرجال ولا النساء اليوم، في النظام الاجتماعي، أحكاما يحافظ بها الإسلام على كرامة المرأة وعزها، وكوّن لها شرفاً تفتخر به وتعتز، وجعل لها عفة تحصل عليها وتصونها، وحقوقاً تحميها، وجعل لها من يقوم على رعايتها شابة كانت أم عجوز، وحمى لها أموالها ونفسها من الضرر والاعتداء، ولم يمنعها أو يقيدها بالمتاجرة والعمل بأموالها بنفسها أو بوكالة عنها، وأعطاها من الحق في الخلع من الزوج، ما مُنعت عنه اليوم، إذن بإمكاننا أن ندرك بالتالي أن قوامة الرجل للمرأة في الإسلام قوامة رعاية وليست قوامة حكم، وأوجب على الرجل النفقة عليها نفقة مثيلاتها، وأوجب عليها الطاعة بالمعروف، أي طاعة منضبطة بالضابط الشرعي، وليست الطاعة العمياء كما يظن الجاهلون.

تعرض النظام الاجتماعي اليوم إلى الضياع من قبل المحاكم التي إزدوجت بين الشرع والقانون الوضعي، والتدخل السلطوي في بعض الدول، فضلا عن ضياعه نظامياً مع غيره من أنظمة الدولة الواحدة.
ولذلك لم يصبح النظام الاجتماعي الذي نعيش به ونتحاكم إليه هو النظام الاجتماعي الإسلامي على حقيقته، والذي أتاح لأعدائنا ومن المرتدين العلمانيين والفسقة والفجرة أن يصطادوا في الماء العكر وينالوا من الإسلام، وينالوا من النظام الاجتماعي الإسلامي ويطعنوا فيه.

قال الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة، آية 44
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
وقال تعالى في سورة النساء، آية 27
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا
وقال تعالى في سورة الحجرات، آية 13
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. بعد التحية - أما بعد ،،،

    بالنسبة لحق الخلع المزعوم .. أين لفظ الخلع في كتاب الله أو حتى في السُنة الشريفة صراحة يا أولي الألباب ؟! الحمد لله الذي تعهد بحفظ كتابه لأن مِنا مَن يُحرف الآن تفسيره كما هو واضح وصارخ في مسألة الخلع هذه لعدة أسباب مِنها :

    أولاً : هل يُعقل أن الله العدل الذي جعل القوامة المادية والمعنوية للرجل صراحة، وحدد الطلاق بأنه مرتان والثالثة يتم تحريم المرأة على زوجها حتى تنكح زوجاً غيره نِكاحاً صحيحاً لتأديب الرجل الأكثر عقلاً وديناً كي لا يتسرع في هدم البيت، والإستثناء الوحيد كان لرسول الله وزوجاته التي تم تحريم نِكاحهم بعد النبي والحِكمة معلومة وواضحة، هل يُمكن أن يستقيم ما سبق مِن عدم ذكر الخلع وأحكامه - إن كان له وجود أصلاً - ودرجاته مِثل الطلاق وكافة حالاته بالتفصيل الذي لا خِلاف فيه كما في مسألة الطلاق وكأن المرأة يُمكنها هدم البيت في لحظة بينما تم التشديد على الرجل ؟! أي عدل هذا ؟!

    وثانياً : كلمة الطلاق - أبغض الحلال عند الله وأفضل الحرام عند الشيطان - كلمة لها وقع صعب وقاس رغم أنها أخف مِن كلمة الإنفصال مثلاً لأن قائلها رب العالمين الذي وصف لنا - بكل أدب وبلاغة - في سورة يوسف مشهد الإغواء المُثير لسيدنا يوسف الصديق مِن إمرأة العزيز بدون أن يخدش حيائنا عند سماعه وفي ذات الوقت نتصوره كأننا حاضرين له، أين ذلك كله مِن وقع كلمة الخلع التي تسبب الإحساس بالمهانة والخزي والرفض والألم لأنها كلمة غير ربانية بل مدسوسة وموضوعة لأغراض خبيثة شيطانية ؟!

    وثالثاً : هل مِن المعقول أن يُحذر رب العزة الرجل والمرأة عند وقوع الطلاق بعدم خروجها طوعاً أو كرهاً مِن منزل الزوجية خلال شهور العدة - في أول آية بسورة الطلاق ولاحظوا وجود سورة كاملة بإسم الطلاق ولا يوجد سورة أخرى بإسم الخلع - في حين تخرج المرأة التي تريد الخلع عن طاعة بعلها حتى يقضي لها القاضي بالخلع الذي سيُحاسبه الله على الحُكم بما لم ينزله في كتابه المُهيمن على الكتب السماوية السابقة التي لا يوجد بها خلع ؟!

    ورابعاً : مِن المعروف أن صيغة فعل الأمر يتم استخدامها للتعبير عن الأمر والطلب كما في قولنا يا رب اغفر لنا، وهذا معنى مُحتمل لحديث الزوجة التي كانت تبغض زوجها دون أن تنكر عليه خلق أو دين ولجأت للرسول تسأله المشورة وببصيرته عليه صلوات الله وسلامه سألها - ولم يأمرها - أتردين عليه حديقته التي أمهركِ إياها ؟ قالت وأزيد فقال بل الحديقة فقط، ثم دعا زوجها ليطلب مِنه تطليقها - ولم يأمره - حيث أن الرسول لم يرضْ لرجل لا تعيب إمرأته عليه خلق أو دين أن يستمر معها وهي له مُبغضة لأسباب تخصها، وقد استجاب الرجل لطلب الرسول تقديراً لأمور كثيرة مِنها كونه رسول الله الخاتم وكذلك ثقة في حِكمته، وكما هو ثابت أن الطلاق أوقعه الرجل بإرادة حُرة دون فرض أو جبر مِن الرسول كما فعل في حال المُتلاعنين مثلاً، بالإضافة إلى أنه لم يذكر كلمة خلع مُطلقاً في هذا الموقف أو غيره.

    وخامساً : أمرنا ديننا ورسولنا بتيسير أمر الزواج لكنه في الوقت نفسه جعل الطلاق عسيراً، بَيد أن واقعنا الآن عكس ذلك تماماً وهذا يدل على مدى ما وصلنا إليه مِن تناقض وضلال.

    حقاً وصِدقاً مَن أظلم مِمَن افترى على الله الكذب، والحمد لله الذي حفظ لنا كتابه الحكيم وهدانا إلى الحق وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا، والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم

    إيهاب أبو السعود .. مِن القاهرة المقهورة

    ردحذف